عبده خال

كثير ممن تابع فسخ عقد رواية ترمي بشرر أخذوا الهوامش ولم يتداخل معي حول الموضوع سوى القلة القليلة، وسلوك الدروب المتفرعة عند البعض سلوك من لا يعرف من الطرق السائدة إلا الوعر منها.

وكانت القضية المثارة عند البعض أن طقس السياسة غالبا ما يتبدل ولا يستمر على كدره، إذ لا بد للسياسي من إيجاد منافذ للعودة من خلال المفاوضات، وهذا أمر يعرفه أي مطلع على أسس مبادئ علم السياسة.

وفي حالات تختلط الأمور اختلاطا يجعل الحليم حيران، وما أحدثته قطر من إرباك للمشهد السياسي الخليجي يجعل احتمالية العودة إلى الوضع الطبيعي السابق لن يتحقق في المدى القريب أو المتوسط خصوصا أن الإعلام القطري انتهج أساليب التحريض وادعاء كثير من الأكاذيب عن الدول المقاطعة، ولم تعد القضية بين طرفين بل تعددت لتشمل المقاطعين وغيرهم، ولكل من تلك الدول ثأر قديم في ذمة النظام القطري نتيجة للعبه غير النظيف.

ومع احترامي الكامل للأصدقاء (والقراء) فإن قراري بفسخ عقد الرواية نابع من ذاتي من غير توجيه بتاتا، وأعتبر أن المثقف متى ما تم توجيهه لم يعد صالحا للكتابة بل يصبح أحد (الأخوياء) الذي لا يركن إليه بتأدية أمانة أو لا يركن عليه حماية عرض..

واستقلالية المثقف جوهر أساس في تركيبته الثقافية فلا يهادن ولا يرائي ولا يتملق، وإنما يتبع رؤيته وتقييمه للأشياء وفق محصلته الثقافية، بغض النظر إن أصاب أو أخطأ..

ومبدأ المواقف الرافضة لأي سياسة تنطلق من رفض كل ما من شأنه أن يؤدي بالإنسان إلى هدم قيمته كوجود كفل له القانون حزمة من الحقوق والواجبات تبقيه عزيزا آمنا وتمنع عنه الجور والتعدي، وإذا كان هذا حال الفرد فمن باب أولى أن تتطبق هذه الحقوق والواجبات على الدول، بحيث لا تجور إحداها على الأخرى وتسلمها إلى الفوضى والتمزق..

وفي موضوع فسخ العقد وتصريحي عن أسباب الفسخ لم أتطرق بتاتا للشعب القطري، إذ أحمل لهم كل مشاعر الحب والاحترام، ولي هناك أحبة وأصدقاء كثر، وفي حالة الفسخ تشابكت عدة قضايا، كل منها يؤدي إلى حتمية الفسخ، فقد بدأت القصة بإهمال الرواية من عام 2010 وانتهت بإعلان قطر العداء لبلادي، وخلال فترة الثورات العربية كنت على اطلاع متواصل بما أحدثه الإخوان المسلمين من تمزيق للدول العربية وسعيهم إلى الخلافة الإسلامية على أنقاض الدول والشعوب العربية، وكانت قطر وتركيا المساندين والداعمين الأساسيين لتمزيق تلك الكيانات، فكانت كتاباتي الصحفية اليومية ساعية لكشف اللعبة الممارسة على أرض الواقع العربي، والذي كانت فيه الثورات حلما من أجل إزالة الأنظمة الفاسدة، ولكن تكشف الغموض حول موجة الثورات العربية المتلاحقة في كل بقعة مع ظهور الإخوان كقادة لها، وكانت الإشارات الأولى تشي أن الإخوان يحملون شعار الماضي ونبذ الوطن وحلم الاتساع تحت خيمة الخلافة، ولو أن تلك الثورات حملت شعار المستقبل وتنمية الفرد وتحقيق العدالة لوجدت عشرات المثقفين يساندون تلك الثورات..

وكانت مواقفي نابعة من قناعتي كمثقف بأن إسقاط النظام ليس كإسقاط الدولة، واستشعارا بأن الإخوان سعوا إلى إسقاط الدول واستبدال الحاضر والمستقبل بعملة الماضي وقفت منذ البدء ضد هذا المشروع الذي توضحت معالمه مع مرور الأيام..

ولأن قطر كانت الداعمة لذلك المشروع وجدت نفسي معارضا لنظامها السياسي وكاشفا عن الألاعيب التي تمارس ضد الدول العربية، كنت (وما زلت) معارضا لأي نظام يسعى إلى التمزيق والقتل والتشريد، وفي حالة الوضع القطري أعلنت منذ البدء هذا الموقف ولم يطل الشعب القطري ذاته، وقلت وأقول سوف أكون خصما لأي أحد يسعى للقتل المادي أو المعنوي ويعمل على تمزيق وحدة الدول وتشريد شعب (أو إنسان واحد) سأكون خصما له حتى ولو كان ذلك داخل مجتمعي... والنظام القطري سعى وشارك في إسقاط دول لم نكن نتوقع بشاعة أن تغدو دولا عربية مدمرة فاشلة... أما الحديث عن الشعب القطري فهم في القلب وفي العين، وعندما أرفض سياسة النظام القطري فأنا أقف مع كل قطري يبحث عن العدل والخير والأمان.