FINANCIAL TIMES 

 مارتن أرنولد من لندن

سواء بالتلويح ببطاقة مصرفية ذكية لشراء مواد البقالة في سوبر ماركت، أو حجز منتجع لعطلة نهاية الأسبوع على "إيربنب"، والرحلات للوصول إلى هناك، يستخدم الناس "ويرلدباي" Worldpay يوميا دون إدراك أنهم يستخدمونها.
شركة معالجة المدفوعات المهيمنة في بريطانيا التي تولد 60 في المائة من الإيرادات خارج المملكة المتحدة، أصبحت بهدوء واحدة من الشركات الأكثر ديناميكية في مؤشر فاينانشيال تايمز 100، من خلال ركوب موجة التجارة الإلكترونية التي تحول قطاعها من قطاع خامل في مجال التمويل إلى واحد من الأكثر إثارة للنمو.
إيرادات "ويرلدباي"، المدفوعة من التحول الحتمي من الشيكات والنقود إلى البطاقات والمدفوعات الرقمية، ارتفعت أكثر من 50 في المائة، وأرباحها التشغيلية زادت أكثر من ثلاثة أضعاف منذ باعها "رويال بانك أوف اسكتلند"، مقابل 2.5 مليار جنيه قبل سبعة أعوام.
هذا الأداء الصاعد بقوة لم يغب عن أنظار المراقبين. بعد رفض محاولات استحواذ جرت أخيرا من منافسين فرنسيين وأمريكيين، وافقت الشركة الموجودة في قلب الحي المالي في لندن، الأسبوع الماضي على أن تشتريها منافستها الأمريكية "فانتيف" Vantiv بموجب صفقة تمنحها قيمة تبلغ 9.1 مليار جنيه.
وأصبحت المدفوعات ذات أهمية استراتيجية بدليل أن "جيه بي مورجان تشيس"، أكبر بنك في "وول ستريت" من حيث الأصول، قدم عرضا أيضا للاستحواذ على ويرلدباي فقط ليتراجع الأسبوع الماضي، بعد أن وافقت الشركة البريطانية على صفقة فانتيف.
يقول فيليب جانسن، الرئيس التنفيذي لشركة ويرلدباي سريع الحديث، في مقابلته الأولى بعد عدة جلسات تفاوضية لإنهاء عملية الدمج: "ما تراه هنا هو انتقال من النقود، ليس فقط إلى البطاقات، لكن إلى المدفوعات الرقمية. الاتجاهات الكلية للتجارة عبر الهاتف الخليوي والإنترنت كبيرة ونحن نستفيد منها".
برامج "ويرلدباي" تسمح للشركات بقبول 324 نوعا مختلفا من الدفع - تراوح من يونيونباي الصينية إلى كيوي في روسيا وبوليتو في البرازيل. يقول جانسن، "نحن نزيل النقاط المؤلمة لأخذ المال من جميع أنحاء العالم".
بالنسبة لرئيس "ويرلدباي" الذي من المقرر أن يصبح الرئيس التنفيذي المشارك للشركة المندمجة، هناك عامل إحباط وهو أن المجموعة يتم الاستحواذ عليها بدلا من قيامها هي بعملية الاستحواذ. قبل أن تصوت المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي العام الماضي، كان من المقرر أن تتحرك "ويرلدباي" للاستحواذ على منافستها الأمريكية، لكنها انسحبت بعد تراجع الجنيه الذي أدى إلى انخفاض أسهمها - ما أدى إلى تقويض الصفقة.
لطالما كانت المدفوعات جانبا غير مهم في التمويل؛ مربحة إلى حد ما لكنها غير مثيرة للاهتمام. كل هذا في سبيله إلى التغير الآن. اتجاه الناس إلى الدفع مقابل المزيد من الأشياء عن طريق البطاقات والأجهزة الخليوية أدى إلى طفرة في نمو القطاع الذي كان راكدا في الماضي.
وفقا لأحدث تقرير مدفوعات عالمية من "كابجيميني" ينتظر نشره هذا الأسبوع، ارتفع عدد المعاملات غير النقدية في عام 2015 ـ آخر عام تتوافر فيه بيانات كاملة ـ 11.2 في المائة إلى 433 مليارا. ويتوقع مستشارون في شركة ماكينزي أن تنمو إيرادات المدفوعات العالمية من 1.8 تريليون دولار في عام 2014 إلى 2.2 تريليون دولار في عام 2020.
صعود شركات "اقتصاد المشاركة"، مثل "أوبر" و"ديليفرو"، يغذي الانفجار في المدفوعات منخفضة القيمة ذات الحجم الكبير على الجوال. هذه مدفوعة من اعتماد المحافظ الرقمية، مثل "أبل باي" أو "أندرويد باي"، التي تسمح للمستهلكين بشراء المنتجات بمجرد التلويح بهاتفهم الذكي أمام نقطة بيع، بدلا من استخدام النقود.
يقول كريستوف فيرجن، المؤلف المشارك لتقرير كابجيميني، "هناك حرب شاملة على النقود - في بعض البلدان في أوروبا الشمالية هي سياسة رسمية. تريد الدول خفض استخدام النقود حتى تتمكن من جمع مزيد من الضرائب، والشركات تحب ذلك لأنها تستطيع السيطرة على الاحتيال بشكل أفضل ويفضّل المستهلكون التسوق أو السفر بدون نقود".
المحاولات لإخراج النقود من المجتمع نادرا ما تكون أكثر دراماتيكية من قرار الهند المفاجئ بشطب 86 في المائة من الأوراق النقدية في البلاد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. لكن السويد ذات التكنولوجيا العالية تقود السباق لتصبح أول مجتمع بدون نقود. الأوراق النقدية والقطع المعدنية لعملة الكرونا المتداولة ظلت تتراجع سنويا خلال العقد الماضي وكانت تمثّل 20 في المائة فقط من جميع المدفوعات في المتاجر السويدية في العام الماضي ـ أقل كثيرا من المتوسط العالمي البالغ 75 في المائة.
في المملكة المتحدة، الاستخدام المنتشر للبطاقات الذكية في كل شيء، بدءا من السفر على مترو أنفاق لندن إلى شراء كوب من القهوة، يعني وفقا لهيئة التجارة البريطانية "بايمنتس"، أن النقود سيتم تجاوزها باعتبارها الطريقة الأكثر شعبية للدفع بحلول نهاية العام المقبل.
ومع أن النمو في صناعة المدفوعات يظهر علامات قليلة على التباطؤ، إلا أنه يدخل أيضا في فترة من التعطيل الشديد، مع مواجهة اللاعبين التقليديين - المصارف وشركات بطاقات الائتمان - مستقبلا غير مؤكد، في وقت تصطف فيه مجموعة سريعة النمو من شركات التكنولوجيا المالية الناشئة لتحدّي الشاغلين الحاليين من خلال تقديم عروض لتلبية طلب الزبائن من أجل خدمات أسرع وأرخص وأسهل في الاستخدام. حتى إن بعض الشركات تختبر تكنولوجيا رقمية تدعم عملات التشفير، مثل البيتكوين.
"كثير من الحدود الجغرافية في هذا المجال يجري تحطيمها وسوف نرى لاعبين محليين يخسرون لمصلحة مجموعات أكثر عالمية تستطيع تقديم مجموعة مفيدة أكثر من تطبيقات الدفع"، كما يقول جون كوليسون، الذي شارك في تأسيس "سترايب" مع شقيقه باتريك قبل ثمانية أعوام، لتوفير خدمات المدفوعات عبر الإنترنت للشركات. نجاحها اللاحق جعل الشقيقين المولودين في إيرلندا يزوّدان أصحاب المليارات في وادي السليكون.
في الوقت نفسه، يصعّد المنظمون الضغط على المصارف لتخفيض الرسوم الوفيرة التي تكسبها من معالجة المدفوعات وإجبارها لأن تكون أكثر تعاونا مع المنافسين من شركات التكنولوجيا المالية، مثل "كلارنا" السويدية و"ترانسفيروايز" البريطانية.
في الأثناء، يواجه المزودون التقليديون لخدمات الدفع هجمات إلكترونية من جيش من المتسللين المتطورين والمجرمين الرقميين على نحو متزايد.
يقول بوب لياو، محلل التكنولوجيا في "ماكواري" في لندن، "عالم المدفوعات يتحرك ببطء شديد، لكن في بعض الأحيان يمكن أن ترى تحوّلات كبيرة". ويتوقع أن القواعد "المصرفية المفتوحة" الجديدة التي تهدف إلى منح الوصول المفتوح إلى بيانات المستهلكين المالية في أوروبا سوف تخفض هوامش الربح لمصلحة الشركات التي تملك الحجم والموارد لتقديم خدمات ذات قيمة مضافة أكثر.
متوسط رسوم خدمات التجار في المملكة المتحدة 0.68 في المائة من قيمة كل معاملة لمدفوعات بطاقات الائتمان. هذا يضيف إلى 3.4 مليار جنيه من الرسوم على نحو 500 مليار جنيه من إنفاق بطاقات الائتمان السنوي العام الماضي. ويقدّر "ماكواري" أن هذا يمكن أن ينخفض إلى النصف من خلال التنظيم المقبل - توجيه خدمات المدفوعات الثاني في الاتحاد الأوروبي - الذي يهدف إلى تسهيل التصريح بتحويل مباشر من حسابات الزبائن المصرفية إلى متجر التجزئة الذي يتخطى شبكات البطاقات التقليدية المكلفة. ومن المقرر إدخال القانون العام المقبل.
يقول لياو، "الجميع في آسيا وأستراليا وأمريكا يراقبون أوروبا الآن، لأننا أول من يفعل ذلك".
وبحسب "جانسن"، "ويرلدباي" يمكن أن تستجيب من خلال بيع خدمات إضافية لزبائنها استنادا على تحليل كل البيانات من المعاملات الـ 41 مليونا التي تتعامل معها في أي يوم عادي. مثلا، بإمكانها إخبار بائع زهور عن أي وقت في اليوم يبيع فيه متجر منافس في نفس المنطقة منتجات أكثر. وهي تختبر أيضا تطبيقا يستطيع التجار استخدامه للبدء بقبول مدفوعات بدون الحاجة إلى أي جهاز آخر، باستثناء الهاتف الخليوي أو الجهاز اللوحي الخاص بهم.
جان ديرك فان بيوسيكوم، المدير التنفيذي لإدارة النقود في مصرف بي إن بي باريبا، يقول، "سيكون هناك كثير من القيمة المضافة في تحليل البيانات. سيكون هناك نظام بيئي مصرفي جديد مع حلول جديدة".
لكن هناك تحدّيات أخرى بالانتظار. أحدها هو الوجود الذي يلوح في الأفق لمجموعات التكنولوجيا الكبيرة في وادي السليكون، التي تبني بثبات أنشطتها للمدفوعات الإلكترونية. يقول فيرجن، من كابجيميني، "من المحتمل أن يكون الفائزون هم من أمثال "جوجل" و"أبل" و"فيسبوك" و"أمازون" والشركات الرقمية الأصلية". لكن في الوقت الحاضر، شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة تركّز في الأغلب على نقل أموال المستهلكين بدلا من التعامل مع المدفوعات للشركات.
الأمر الذي يزيد من تعقيد الصورة بالنسبة للشركات الأمريكية والأوروبية هو أن معظم النمو في المدفوعات العالمية يأتي من الأسواق الناشئة، حيث ارتفع معدل التعاملات غير النقدية 22 في المائة تقريبا في 2015. البلد صاحب الأداء المتميز كان الصين التي وصلت نسبة النمو فيها إلى 64 في المائة. معظم هذا النمو كان مدفوعا بنمو قوي لدى الشركتين الصينتين الرئيسيتين لتزويد خدمات المدفوعات الرقمية، "علي باي" التابعة لعلي بابا، و"وايكسين باي" التابعة لتنسنت.
وفقا لشركة iResearch، في السنة الماضية سجلت المدفوعات على الجوال في الصين 5.5 تريليون دولار، وهو رقم يزيد 50 مرة على حجم السوق الأمريكية البالغ 112 مليار دولار، استنادا إلى أرقام من "فورستر ريسيرش". ومع أن شركات خدمات المدفوعات الصينية ذات تركيز محلي في الأغلب، إلا أن لديها طموحات عالمية واضحة. "علي باي" استثمرت بقوة في "باي تي إم"، وهي شركة هندية رائدة للمدفوعات على الجوال، وقدمت عرضا بقيمة 1.2 مليار دولار للاستحواذ على "موني جرام"، شركة التحويلات الأمريكية.
تشكيل شركة رائدة عالمية بشكل واضح، تتمتع بالنطاق وقدرة الوصول اللازمة للتعامل مع هذه التحديات المتصاعدة، واحد من العوامل المحفزة وراء الاندماج المقترح بين فانتيف ـ مقرها في أوهايو ـ و"ويرلدباي"، كما يقول جانسن.
ويضيف، "إنه تأثير تراكمي مثل كرة الثلج، لأن هذه أعمال تختص بالشبكات كانت في الماضي تعتمد على محال فعلية على الأرض، تقع الآن تحت تأثير ابتكارات هائلة. في سوق المدفوعات جميع الطرق تؤدي إلى التكنولوجيا".