وليد شقير

فيما يشتد السجال اللبناني حول «التواصل مع الحكومة السورية من أجل إعادة النازحين السوريين الذين باتوا عبئاً أكيداً على الاقتصاد والمجتمع المضيف، عقد في مرسيليا في اليومين الماضيين اجتماع لـ «جمعية الأعمال السورية الدولية» بحضور البنك الدولي ورجال أعمال سوريين مهاجرين ومؤسسات تمويلية، من أهدافه الإفادة من الرأسمال السوري في الخارج لإقامة شركات ومؤسسات صغيرة في الدول التي نزح إليها السوريون هرباً من القتل والدمار منذ أكثر من 6 سنوات، لإيجاد فرص عمل لهم.

وهو ليس الاجتماع الأول من نوعه برعاية دولية، دافعه إخراج القدر الممكن من ملايين النازحين من حال البؤس والبطالة، نتيجة ما سببه بطش النظام السوري الأعمى، وميليشيات الشبيحة من تهجير، ثم ما أنتجه بعض قوى المعارضة و «داعش» من مآسٍ في مناطقهم، فضّلوا معها الخروج من منازلهم. ولعل دافع القيمين في الغرب لرعاية اجتماعات كهذه، تفادي مواصلة صرف المساعدات لمخيمات اللجوء من جهة، والحؤول دون أن يصبح هؤلاء لقمة سائغة لمنظمات التطرف من جهة أخرى.

بصرف النظر عن افتراض حسن النوايا أو سوئها، فإن للوقائع دلالات: خصص رأسماليون سوريون منتشرون في أوروبا وأميركا وبعض الدول العربية، بالاشتراك مع شركات أوروبية، بضع مئات من ملايين الدولارات (تردد أنها قد تبلغ خمسمئة) لصندوق استثمارات في الأردن، لإنشاء شركات ومصانع فيه بهدف تشغيل النازحين. سبق للأردن أن استفاد من استثمارات سورية خاصة برعاية دولية قبل 4 سنوات لتشغيل نازحين إليه، وفرضت عمان في حينها تشغيل نسبة معينة من الأردنيين في هذه المشاريع، فنشأت مصانع صغيرة موّلها رأس مال سوري وغربي.

عام 2013 عُرض على لبنان مشروع مشابه بناء على دراسة أعدتها «اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا» في الأمم المتحدة («إسكوا» ومقرها بيروت) يقوم على استصلاح أراض غير مزروعة في سهل البقاع لجعلها منتجة، على أن تتولى مجموعة مشتركة من المنظمة الدولية والقطاع الخاص التأهيل التقني للعمالة السورية للقيام بالمهمة. 

وأبدت شركات ألمانية استعداداً لتوظيف إمكاناتها في هذا المجال. لكن لبنان رفض العرض، بحجة المخاوف من التوطين... في ظل الهواجس الدائمة، الطائفية والمناطقية والسياسية، من وجود النازحين، الذين تكاثروا منذ حينها، قبل أن يفكر أي من المسؤولين اللبنانيين باشتراط نسبة من العمالة اللبنانية في مشاريع كهذه، أو أن يضع ضوابط مالية وضرائبية وقانونية عليها. ولم يناقش لبنان إمكان تسويق منتجات هذه الاستثمارات في أوروبا أو إعفائها من الرسوم أو خفضها، وهو أمر كان بين الخيارات المطروحة. لم يستفد لبنان من فرصة تنظيم العمالة السورية الموجودة قبل الحرب في شكل عشوائي، ومن فرض رسوم عليها.

هل فوت لبنان فرصة الإفادة من استثمار مئات ملايين الدولارات على أرضه، في شكل لا يحول دون طرح إعادة النازحين إلى سورية بعد 4 سنوات على هذا العرض؟

الناشطون السوريون المهتمون بتشغيل مواطنيهم في دول النزوح، يقولون إن مجموع المبالغ التي يبدي المتمولون المهاجرون استعداداً لرصدها في استثمارات كهذه قد تصل إلى 10 بلايين دولار، بدليل نشوء زهاء 4600 شركة ومصنع صغير بتمويل سوري في تركيا، وأن قيمة الاستثمارات السورية في مصر تناهز الـ7 بلايين دولار منذ عام 2011، والأموال الهاربة من سورية نتيجة الحرب، وكانت المصارف اللبنانية محطتها الأولى ثم انتقل معظمها إلى دول أخرى بعد أن تعذر توظيفها في لبنان، قاربت الـ17 بليون دولار أميركي.

راهنت التركيبة اللبنانية الطائفية على عودة النازحين، نتيجة تمنيات بعضها بانتصار النظام، أو آمال آخرين بسقوطه.
حاول نازحون العودة إلى مناطق سيطر عليها النظام في الأشهر الماضية. من لم يجد منزله مدمراً وجده هيكلاً منهوباً من ميليشياته، وخضع لمنطق الشبيحة بالخطف والقتل والخوات فرجع. فهل يمكن نقل استثمارات المتمولين السوريين إلى الداخل السوري لتثبيت مواطنيهم العائدين؟

هل المراهنة على تطوير الاتفاق الأميركي الروسي بجعل الجنوب الغربي منطقة آمنة ليشمل غيرها (لحماية أمن إسرائيل) وراء المراهنة الجديدة؟ أم هو توقع الحلول من جنيف- 7 لأن دونالد ترامب قد يهادن موسكو بعدم طرح مصير بشار الأسد، مقابل الحد من نفوذ إيران، ما يؤسس لمرحلة جديدة في الحرب؟ هل هو قرب انتزاع الرقة وغيرها من «داعش»، بينما تطرح الأسئلة عن البديل بعد تحريرها؟ هل بحثت مفاوضات جنيف، وقبلها آستانة، العودة وضمانها... في وقت هي عالقة عند مطلب اطلاق المعتقلين؟