حسين شبكشي

 كل من له ذاكرة تمتد إلى الستينات الميلادية من القرن الماضي لا بد له أن يتذكر الصور التي جمعت الزعيم الهندي الكبير جواهر لال نهرو مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وزعماء دول عدم الانحياز والتي تبنت فيها الهند مواقف مبادئية من القضية الفلسطينية وأيضا ناصرت الحق العربي ودعمته، على ما يبدو أنه نتاج الوضع العربي البيني المتأزم.

كان من الطبيعي جدا أن نرى رئيس الوزراء الهندي مودي في زيارة تاريخية إلى إسرائيل نتج عنها اتفاقيات شملت تعاونا غير مسبوق بين البلدين في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية والتقنية والتعليمية، وهو الذي كان من آثاره أن تعلن الهند عن علاقة استراتيجية مع إسرائيل. 
إسرائيل لديها رغبة كبيرة في تطوير قاعدة اقتصادها الرقمي الذي يتطور بشكل هائل، وفي الهند هناك ضالتها المنشودة التي تكمن في نظام تعليمي تقني متطور يخرج العديد من النخب المتفوقة والمؤهلة في مجالات البرمجة والتقنية بكافة أوجهها، ناهيك عن أيد عاملة ماهرة ومنخفضة التكلفة تصلح للمكاتب الخلفية، والهند تبحث عن التقنية العسكرية المميزة في مجالات الدفاع الجوي وأجهزة الرادارات التي تتميز بها إسرائيل، بالإضافة إلى وسائل الأمن الالكتروني من هجمات الهكرز المدمرة والفيروسات القاتلة الكترونيا. 
العرب علاقتهم مع الهند تحولت إلى علاقة استهلاكية بحتة، علاقة بلا أي قيمة مضافة تذكر، فهناك عمالة رخيصة في دول عربية تحول أموالها، وبضائع من الهند مثل الشاي والأرز والتوابل والأقمشة والأخشاب والمواد الغذائية الأخرى. ولكن العلاقة لم تتطور بالقدر المطلوب لأن الدول العربية في مجملها لم تأخذ ما يحدث في الهند اليوم على محمل الجدية.. لم تدرك حجم وتأثير الاقتصاد الهندي في خريطة العالم الاقتصادي وقوة وتأثير الهنود في بلاد المهجر المنتشرين والفاعلية في الكثير من كبرى شركات العالم، مثل البيبسي كولا وماستر كارد وسيتي بانك وماكينزي وغيرها. إسرائيل تعاملت مع الهند على أنها مشروع طويل الأجل، اشتغلت على الهند عبر تجارة الماس أولا واستقطبت مستثمرين هنودا لديها وعبر شركات لها، ثم دخلت مجالات التعدين ومجالات الطب ومجالات التعليم وصولا إلى التقنية العالمية والدفاع والأمن. العرب خسروا الهند لصالح إسرائيل في جولة خطيرة. والعلاقة بينهما مرشحة لأن تقوى وتزيد وتستمر لأن الندية والاحترام والتكافؤ موجود ومؤسس له بوضوح.
تطور العلاقة بين الهند وإسرائيل هو نتاج طبيعي لتداعيات الربيع العربي التي لا تزال تبرز كوارثها ونتاجها المدمر.