حسين شبكشي 

توصَف القارة السمراء (أفريقيا) بأنها السوق الأخيرة الموعودة، وهي بذلك هدف واضح للحكومات الصناعية الكبرى والشركات متعددة الجنسيات العملاقة.


القارة السمراء بها العديد من الفرص الاستثمارية ومخازن مهولة من الثروات الكامنة في الأرض. هي قارة بكر قادرة على امتصاص كل ما يُزرَع فيها من فرص استثمارية، فهي بحاجة ماسة للبنية التحتية ومتطلبات الحياة الحديثة من مطارات وموانئ وكهرباء ومرافق سكك حديدية ومستشفيات وصرف صحي. ولكن معظم دول القارة فيها العديد من التحديات اللافتة والمهمة، مثل انتشار الفساد والمعوقات الأمنية والتدهور السياسي ورعونة القضاء بشكل عام.


أنا أنتمي لأسرة لها تاريخ طويل من التجارة مع أفريقيا... علي شبكشي (جد والدي الذي كان يحمل نفس اسمه) كان يتاجر مع شرق أفريقيا في المواد الغذائية والمواشي، وتوفي في بورسودان ودفن فيها. جدي حسين شبكشي كان يتاجر مع الحبشة وإريتريا، ووالدي كان يتاجر مع أوغندا وتنزانيا وله علاقة جيدة مع قادتها هناك، وكان نتاج ذلك كتاباً مهماً كتبه عن رأيه وتجربته مع أفريقيا بعنوان: «قراءة في كف أفريقيا» إذا ما أخذت بجدية وفعالية.
اليوم نرى الصين تضع خطة مهمة جداً للاستحواذ على الحصة الأعظم من السوق الأفريقية، خصوصاً وهي ترى عدم وجود اهتمام جاد من القوتين الاستعماريتين التقليديتين اللتين كانتا تسيطران على السوق الأفريقية، وهما بريطانيا وفرنسا. من أهم ملامح خطة الصين في أفريقيا أنها لا تضع ولا تقيس حجم الاستثمار في أفريقيا بالقيمة الدولارية، ولكن بعدد الأفراد، فهي تضع خطة أن يكون عشرة ملايين صيني ساكنين ومقيمين دائمين في القارة بحلول عام 2010، وهي ما نجحت فيه بجدارة، وكان من نتاج ذلك أن هناك دولاً بأكملها حولت اقتصادها الأساسي باتجاه الصين بالكامل، دول مثل زيمبابوي وإثيوبيا والسودان، وجميعها اعتمد على المغريات الصينية في التمويل، ونتج عن ذلك قيام الصين بتوفير خدمات كبرى من منتجاتها، مثل المترو في أديس أبابا بإثيوبيا وشركات النفط في السودان، بالإضافة للمباني الكبرى في الخرطوم، وكذلك الكثير من البنى التحية في زيمبابوي. ودخلت أخيراً اليابان على الخط لتعلن عن خطة طموحة جداً لاستثمار طويل الأجل في القارة السوداء. وتجيء هذه الفرص وسط تخبط أميركي في السياسات الاقتصادية تجاه القارة.
هناك أربعة اقتصادات كبرى في القارة، هي جنوب أفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا وغانا، وهناك عدد من الاقتصادات المهمة التي لا يمكن إغفالها، مثل الجزائر والمغرب وغينيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا مع بعض الفرص في دول مختلفة. شرق أفريقيا لديه أكبر الفرص ليكون العمق الاقتصادي والاستثماري للطموحات السعودية والعربية لوجود قاعدة من المال الحضرمي القديم والناجح في المجال الزراعي والعقاري، فالحضارمة لهم باع مهم جداً وناجح في مجالات البن والشاي والفواكه والخضراوات في إثيوبيا وتنزانيا والسودان وكينيا وأوغندا، وهي مناطق تراهن عليها أيضاً الهند التي لديها حضور تاريخي طويل وقديم منذ أيام الاستعمار البريطاني فيها.
أفريقيا بحاجة لنظرة جادة بعيدة عن الفوقية والعنصرية التي كان يتم التعامل بها معها قديماً، هناك نتائج واعدة ولافتة ومهمة تمت إتاحتها لشركات الاتصالات والمقاولات والتعدين والمصارف والزراعة في أكثر من بلد أفريقي. التاريخ القديم للتبادل التجاري بين العرب وأفريقيا وقرب المسافة الجغرافية يجعل من العرب الشريك المرجح الطبيعي للنجاح مع القارة الأفريقية، ولكن تبقى أهمية تغيير أسلوب وطريقة التعامل. أوروبا شاخت ولم يعد في سوقها نَفَس للنمو، وآسيا مكتظة، وأميركا باهظة التكلفة، أما أفريقيا فتبقى فرصة مهمة للاستثمار وتحقيق عوائد لافتة، ولكنها لا تلقى التقدير والاهتمام الكافيين.