علي نون

لا يمكن سفير رئيس سوريا السابق بشار الأسد في بيروت علي عبد الكريم علي، إلا أن يكون أميناً لصفته، وأن يدلق ما فيه انطلاقاً من جذر كونه صاحب تلك الصفة.

وذلك يعني مباشرة أشياء كثيرة، لا تدخل من ضمنها أدبيات الديبلوماسية المعتمدة في «العالم الطبيعي». ولا تدخل في تلابيبها كياسة المنصب. مثلما لا تُعنى، على عادة أربابها في بقايا سلطة الأسد، بأي احترام لحقائق الأرض وما عليها. ولا تعرف معادلة خارج تلك المتصلة بالعسف والإكراه والعنف والاستبداد الأرعن.

هذا ممثل لسلطة دمّرت العمران السوري. وفتكت برعيّتها كما لو كانت آتية من كوكب آخر. وقتلت وذبحت واستباحت كرامة السوريين بإعجاز لا نظير له.. ثمَّ يخرج على الناس في بيروت مستخدماً مصطلحات مثل «احترام كرامة النازحين السوريين»! و«العلاقات بين البلدين»! ويذهب بعد ذلك وفوقه الى الوراء مستعيداً أداء زمن الوصاية القميء الذي أعطى أصحابه لأنفسهم حق التمييز بين من هو «وطني» و«شريف»، ومن هو «عميل» و«خائن» و«مدسوس»! 

يعود الى تلك النغمة ممثل بشار الأسد من دون خفر أو حياء:.. ويحاول أن يتذاكى: يشيد و«يقدّر» كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكنه «يملي» على رئيس الحكومة سعد الحريري ضرورة «أن يحترم العلاقة بين البلدين» ويتّهمه بـ«الخروج عن الأعراف»!

وكأنّه آتٍ من مدرسة تعرف معنى «احترام العلاقات» بين الدول! أو تعرف معنى «الأعراف» المتّبعة في ذلك! أو الأصول والفروع المتصلة بها! أو سبق لها، أن عاملت لبنان الدولة، واللبنانيين، وسوريا الدولة والقانون والمؤسسات، والسوريين، وفق مدوّنة «الاحترام» هذه! أو استناداً الى أيّ نصّ مؤسساتي أو قيمي أو أخلاقي.

«سفير» الوصاية بلا وصاية! طبعه غلَبَ تطبّعه. يتجاهل تحوّل الزمن ودوران الأقدار، ويعود الى ماضٍ مضى بوهم إنزاله على حاضرٍ مستعصٍ، وفرادته أسدية خالصة: وحده في هذه الدنيا، يتجرّأ على إطلاق أحكام في حق كبار المسؤولين في الدولة المُنتدب إليها! ويحدّد على كيفه وعلناً من يعجبه منهم ومن لا يعجبه! ومن «يرتاح» الى مواقفه، ومن «تزعجه» مواقفه! وهذه حالة غير مسبوقة في العمل الديبلوماسي ولا مثيل لها، لكنّها لا تؤكد سوى المؤكّد من غلبة الطبع على التطبّع. ومن غربة بقايا السلطة الأسدية عن كل شأن ذي صلة بالمؤسسات والدساتير والقوانين والأعراف الحاكمة لعمل أي نظام على المستوى الداخلي، وللعلاقات بين الدول على المستوى الخارجي.

يتأسّى «سفير» الأسد، على أنّ ما يتعرّض له النازحون في لبنان والأردن «لا يحفظ كراماتهم»! وكأنّ هؤلاء المنكوبين نزحوا أصلاً، عن ديارهم وأملاكهم وجنى أعمارهم نتيجة فائض «الكرامة» التي شعروا بها على مدى سنوات الحكم الفئوي المافيوزي الأسدي!!

«سفير» بشار الأسد.. حرفياً!