عبدالله العوضي

أخرجت قطر نفسها من دائرة الخليج في أزمتها لترتمي في أميركا حضن العالم الأكبر لعلها تفلت من تهمة الإرهاب بتوقيعها على الاتفاقية غير الكافية.

مثلها كمثل ذاك الطبيب الذي ابتلي بمريض يشكو آلاماً حادة في بطنه فأتى بالدواء فقطّره في عينيه فصرخ بأعلى صوته مستنكراً فعل الطبيب الغشيم قائلاً: مَنْ طبَّبك، الألم في بطني وتضع الدواء في عيني، قال الطبيب مستهزئاً وساخراً من المريض الذي أخطأت عيناه ولم تبصر خطورة الطعام الذي تناوله حتى يصاب في معدته، فالمشكلة الرئيسية كانت في عينيه وليس في «معْيَيْه».

تكبير الأزمة بالتعويل على أميركا وحلفائها، وتدويل هذه الإشكالية لا يؤتي أكله بل لا يؤتي سوى مصائبه في كل حين بإذن «الإخوان» فيها أو في إيران التي احتلت بزعمها عواصم الدول في العراق وسوريا ولبنان واليمن والدور على مَنْ؟!
«ترامب» بالأمس القريب رمى سهم الإرهاب المنكر من الجميع والمنبوذ بكل صوره في سلة قطر، وهي التي ظنّت أن الاتفاقية غير الكافية هي المنقذة مما ورطت نفسها فيه، فها هي الآن بحاجة إلى منقذ بالعودة للداخل الخليجي قبل استكمال رحلة التهويل بالتدويل، فالعالم الأكبر لم يكبّر صغيراً ولم يصغّر كبيراً ولكنه يحترم المصداقية السياسية في كليهما.

ولم تعد تنطلي على أحد دعاوى «الإخوان» أو غيرهم من الفروع التي تخرّجت من مدرسة هذه الجماعات التي شطحت بأفكارها نحو العدمية المطلقة، بدل النسبية المقيدة، وهي عين الواقع التي قام هؤلاء بفقئها.

فـ«الإخوان» في حرب الخليج الثانية، عندما غزا صدام الكويت ذرفوا الدموع مدراراً عندما زار قادتهم بغداد وزعموا أن صدام على حق وخاصة عندما وضع صدام مبرر «الجهاد» لاسترداد القدس، فلا القدس تحررت ولا الدول الأخرى التي ذهبت أسيرة هذا الفكر نالت استقلالها، فهل سيادة قطر مرهونة بهذا الفكر الذي باع الخليج لقرابة ثلاثة عقود ثمناً لدموع التماسيح آنذاك؟ فلم يختلف هذا الفكر مذاك من بغداد إلى قلب الدوحة هذا اليوم المأزوم، بل ازداد شراسة وتهوراً عندما سقط «مرسيِّهم» ومراسيهم في قاهرة العروبة والإسلام المعتدل.

لم تترك قطر لهذه الأزمة أن تأخذ طريقها في عقول قادة الخليج، بل بدأت بتنزيلها إلى مستوى الشعوب حتى تغير من مسارها وتعطيها أبعاداً تاريخية لا علاقة لها بالأزمة الحالية التي ليس لها إلا عنوان واحد ألا وهو نبذ الإرهاب وطرده وتقزيمه وتمزيقه إرباً وتحطيمه ووقف انطلاقه من قطر وهو مطلب خليجي وإقليمي ودولي، فالهروب إلى التدويل لم يعفها من دفع الضريبة اللاحقة والمستحقات التي تكالبت عليها لسنين عدداً.

أما إيران، فهي بالنسبة لـ«الإخوان» لمن يعود إلى أرشيف الزمن الماضي القريب من الأعيان، فهي أرض «تيجان الإسلام» كما وصفوا عمائم الملالي في طهران، وهم فرحون بما أوتوا من «ثورة» العميان التي لا تصدِّر إلا دماراً وطغياناً، ولن تكون قطر بمأمن عن ذلك إن لم تراجع حساباتها المضروبة مع هكذا جماعات.

فالثورجية من أي طائفة أو ملة خرجت لن تنقذ قطر من هذه المقاطعة التي تسميها «حصاراً» بعد أن حاصرت نفسها بفكر ميزته الوحيدة نشر الرعب والرهاب الإرهابي والعنف والتطرف وهما متلازمتا «دَاوْن» الإرهاب في كل مكان حلّ فيه هذا العبث والعفن.

فمن حق الخليج أن يحصن نفسه من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب بعد أن رضي جزء منه بالركض وراء سراب هذه الأفكار، وتنفق عليه من خالص مال هذا الشعب الذي لا يستحق من حكومته ونظامه أن يوصله إلى هذه النقطة الفاصلة في تاريخ قطر المعاصر.

وليس من مصلحة قطر أن «تميط» أكثر من اللازم في مصابها، بدل أن تميط اللثام عما جنته يداها في العقود الماضية لتغطي وقعتها تلك بشمّاعة التهويل بالتدويل، بعد أن فشلت في التعلق بمشجب «الإخوان» ومن ورائهم «إيران» بل دخلت على خط قطر قاعدة «العديد» التي وجد لها ترامب أخيراً عشر دول على أتم الاستعداد لنزعها من الدوحة إلى أي مكان، فماذا بعد التضليل إلا المزيد من العصيان!