سمير عطا الله

عندما أفكر في الصداقات، بمعناها الأصيل، تخطر يسرى في أوائل المراتب. موقع صنعته هي منذ اللقاء الأول قبل عقدين، بعفويتها وعذوبتها وبراعتها الفائقة في تبسيط الحياة. التقينا أول مرة في برنامج واحد على «إم بي سي»، بدعوة الشيخ وليد الإبراهيم. وسرعان ما تُشعرك يسرى، على طريقة البوذيين، أنكما لا بد التقيتما في حياة سابقة. وتكتشف على الفور أنه ليس هناك يسرى ممثلة ويسرى عادية، هناك يسرى واحدة، طيبة، تلقائية، ذكية، ولها حضور واحد، على الشاشة وخارجها.


أصبحنا على لائحة يسرى كلما جاءت إلى بيروت، أو كلما مرت بجنوب فرنسا في الصيف، وصرت قبل الوصول إلى القاهرة أتأكد أنها سوف تُغني اللقاءات. لكن لا أحد ممن أعرف يمكن أن يتفوق على يسرى في حفظ المودّات وتذكّر المناسبات والسؤال الدائم عن الأحوال. وعندما ترن أول إشارة نصيّة في المعايدات، أقول لزوجتي، هذه يسرى. وما من مرة أخطأت.
لي رواية عنوانها «يمنى» عن سيدة من استقلال لبنان. وقلت ليسرى مرة، في حذر، إنه لكي تكتمل المسألة، سوف أضع عنها رواية عنوانها «يسرى». خشيت أن يزعجها الاقتراح، لكنني دُهشت لحماسها للفكرة. لا ظروفها سمحت ولا ظروفي. ومرة أخرى اقترحت أن أكتب لها فيلماً غنائياً تتقاسم بطولته مع صديقتها ماجدة الرومي. هي بالحنجرة الحانية وماجدة بالحنجرة الأوبرالية، هي باللهجة المصرية وماجدة «باللغا اللبنانيي». ورحَّبت كلتاهما بالفكرة. وشجعها وليد الإبراهيم.
لكن فكرة الفيلم تباعدت شيئاً فشيئاً مثل فكرة الرواية. مشاغل يسرى كثيرة، وأوقات التصوير معقدة، ويوم الناس لا يحوي إلا 24 ساعة. وقد اتصلت بها ذات مساء من بيروت، فجاءني صوت جهوري رصين، مثل صوت يوسف بك وهبي يوم قال جملته التاريخية «شرف البنتِ يا هانم زي عود الكبريت، ما يتولعشي غير مرة واحدة». وقال صاحب الصوت: «يسرى بتصور، نقولَّها مين؟».
وفي اليوم التالي اتصلت مستفسرة «هل أنت كلمت مبارح؟». قلت: نعم، وقد أجابني «العمدة» وأخافني. وقالت: ده مش عمدة، ده السكرتير، بس صوته صوت «عمدة». تمزج يسرى أشياء الحياة وتحوّلها من مرارة إلى عذوبة. وتخفي ببراعتها، شيئاً واحداً، مرارة الحرمان من الأمومة، يعوضها عن ذلك زواج هادئ وحياة عائلية دافئة. وعندما أصيب عمها، الراحل صالح سليم، بالمرض، اكتشفنا فيها السيدة التي لا تترك في الواجبات والتقاليد أي تفصيل.
انتقلت يسرى قبل فترة إلى تمثيل دور الجدة، ولكن بالألق الذي رافقها من قبل بدور الأم، أو الابنة. كل واحد يشعر، مثل البوذيين، أنه لشدة طيبتها التقاها في حياة سابقة. ربما على النيل.
إلى اللقاء...