منال أمين

تجرعت المرأة في عدن أثناء الحرب وبعدها الكثير من العذاب من تشرد ونزوح وضياع وعدم استقرار حيث سقط الكثير من الشهيدات في هذه الحرب الغاشمة وبلغ العدد أكثر من 196 شهيدة سقطن وأصيبت 121 امرأة في المجازر والانتهاكات التي مُورست في حقهن بوحشية مفرطة من قبل مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، إلا أن إصرار المرأة في مواصلة الحياة كان أكبر رادعاً للحرب حيث قامت المرأة في الإسهام بعملية التنمية والبناء ورسم البسمة والأمل على وجوه كل أبناء المدينة لإيمانها بأن عدن عليها أن تنفض ركام الحرب من جسدها وتعود لمواصلة حياتها بشكل طبيعي.

الرسالة الإعلامية

بعد الحرب أصبح من الضروري أن يتم تفعيل قدرات المرأة في عدن بشكل أكثر إيجابية وإنتاجية من أجل التنوير والتغيير الاجتماعي الشامل حيث قالت الإعلامية ابتسام العسيري «بطبيعة الحال المرأة صانعة الأسرة.. بهذه العبارة نستطيع أن نفهم العبء الكبير الذي وقع على عاتق المرأة في مدينة عدن وغيرها من المدن اليمنية وهي تواجه الحرب وتبعاتها لا ماء ولا كهرباء وأكوام من الخربات ونزوح وتشرد، ولكنها وقفت بصمود أسطوري أمام كل هذه التراكمات وواجهتها بعزيمة وصبر عجيبين لانتشال نفسها وأسرتها من الأوضاع الكارثية التي خلفتها الحرب».

ومن تجربتها الشخصية أوضحت العسيري «أن الرسالة الإعلامية من المكان الذي تتواجد فيه تعتبر هي الأداء التي تستخدمها للقيام بدورها الوطني تجاه المجتمع والناس في كشف الحقائق للمجتمع».

وقالت «لم أتوقف منذ إطلاق أول رصاصة حتى الآن سواء باستخدام الهاتف المحمول أو الكاميرا الخاصة في إظهار حقيقة الوضع بعدن وبشاعة ما قامت به المليشيات الانقلابية عبر القنوات العربية والعالمية، بالإضافة إلى برنامجي البسيط (من عدن) كنافذة صغيرة لما يحدث في المدينة ووضع بعض الحلول لها». وبينت ابتسام «أنه على الرغم من الإمكانيات الشحيحة في قناة اليمن التابعة للشرعية إلا أنها تقدم كل ما يساهم في تنمية وتطوير البلاد من خلال عرض الرسائل التوعوية وأهمية التعاون المجتمعي في بناء اليمن لإيماننا أن لا شيء مستحيل، حيث قمت بمتابعة حثيثة لما يحدث في عدن والمحافظات المحررة وحررت عشرات التقارير الإخبارية ولم أفكر بالتوقف عن أداء رسالتي الإعلامية حتى تنتهي مهمتي الوطنية تجاه مدينتي ووطني».

تعجيل عملية التنمية

المرأة الإعلامية في عدن ساهمت في إعادة الحياة للمدينة بعد الحرب مباشرة من خلال عمل أنشطة وبرامج تدريبية وتوعية تهدف إلى تعزيز وحماية الأمن والاستقرار ومشاركتها مع كافة الجهات الداعمة في تقديم المساعدات المطلوبة للأسر المتضررة من الحرب.. هذا ما أشارت إليه رئيسة مؤسسة رسيل للتنمية والإعلام الناشطة الإعلامية خديجة بن بريك، حيث قالت «إن واجبنا تجاه مدينتنا الغالية عدن حتم علينا أن نساهم في إعادة الحياة إلى طبيعتها والتخلص من كل المظاهر السلبية التي سببتها الحرب الظالمة وتحقيق الهدف العام وهو تعجيل عملية التنمية وإعادة الحياة مثل ما كانت من قبل وأفضل بتعاون أبنائها وبناتها».

وأكدت بن بريك «على ضرورة مواصلة تكاتف كل النساء في مدينة عدن للعمل من أجل النهوض بالمدينة بالشكل المطلوب وتحدي كافة الصعوبات والمعوقات والعمل كقوة واحدة لإنهاء كل المظاهر السلبية المتراكمة منذ سنوات والاستمرار في بناء كيان وصوت مسموع لها في كل المجالات من أجل التغيير الإيجابي لأبناء مدينة السلام والأمان عدن».

وأشارت الكاتبة الإعلامية ريام المرفدي إلى «أن الحرب غيرت الأدوار التقليدية للمرأة وواقعها حيث لعبت دوراً مفصلياً خلال الحرب وبعدها في مواصلة المسيرة وتطبيع الحياة بالمدينة».

وقالت «إن المرأة في فترة الحرب ليست هي المرأة التقليدية المقتصر دورها في البيت فقد خرجت لتساعد الرجل في تحمل مسؤولية البيت وأيضاً مسؤوليتها أمام مدينتها، حيث شاركت في توزيع المساعدات الغذائية للأسر النازحة وساهمت في توفير مساكن لهم لإيوائهم، كما قدمت صورة كاملة حول حجم الدمار الإنساني والمعماري الذي شهدته عدن أثناء الحرب وبعده في كل المنافذ الإعلامية والمنظمات الدولية والمحلية».

وتذكرت ريام زميلتها في العمل الشهيدة خلود التيس التي استشهدت وهي تقوم بواجبها الإنساني تجاه أبناء مدينتها، حيث قالت «إن زميلتي كانت شهيدة هذه الحرب وهي تؤدي واجبها الإنساني المتمثل في توزيع الإغاثة لكل من الأسر المحتاجة وترفع لهم المعنويات بقرب تحسين الوضع العام، حيث عرفت بحبها لمساعدتها للناس فقد قدمت روحها في سبيل هذا الوطن، ومن هنا لا استطيع أن أحصر دور المرأة في عمل أو دور معين حتى لا أكون جاحدة في إمكانياتها وقدراتها التي تمتلكها لتنمية وطنها متى ما توافرت الإمكانية فهي قادرة على إثبات حضورها بشكل ريادي في عملية التنمية والبناء والأمن والاستقرار في مختلف الأنشطة الإنسانية والتنظيمية والحقوقية والإعلامية».

حماية وتطوير

وقالت خريجة كلية الإعلام فاطمة شكيل «إن المرأة عانت الكثير من الصعوبات خلال فترة الحرب وبعدها، خاصة الطالبات حيث عانينا الكثير لأننا كنا في آخر سنة جامعية اضطررنا أن ننقطع عن الدراسة فترة طويلة خلال فترة الحرب وكان من الصعب التواصل مع مدرسي ودكاترة الجامعة لمعرفة مصيرنا إلا بعد أن تنتهي الحرب». وأوضحت «أن بعد الحرب عانينا من خوف وقلق لعدم وجود استقرار أمني إلا أننا أصرينا على مواصلة المسيرة الجامعية لتحقيق أهدافنا في حماية وتطوير مدينتنا بعد ما عنيناه من الحرب رغم أن الدراسة كانت بعد الحرب سيئة وصعبة جداً».

وبينت الخريجة فاطمة «أنها كانت مثلها مثل الكثير من زميلاتها تسعى خلال تلك الفترة إلى إنهاء دراستها بالشكل المطلوب وتوعية المجتمع بأهمية المشاركة المجتمعية في عودة الحياة والاستقرار كما كانت وأفضل من خلال المشاركة في العمل التطوعي والتوعوي والإعلامي آنذاك وهذا ما تتمتع به عدن الآن».

كشف الحقائق

المرأة الإعلامية في عدن أثناء الحرب التي شنت على المدينة في 2015م قدمت الكثير من طاقاتها وقدراتها لكشف الحقائق ورصدها للتاريخ وللأجيال القادمة مثلما قدمت من رجالها وأبنائها فداء للوطن، ومازالت منذ التحرير وإلى الآن تساهم في لملمة الأشلاء وتواجه الصعوبات لتقدم الكثير من التضحيات من أجل الاستمرار في توصيل رسالتها النبيلة في كشف كل الانتهاكات للعالم كله وتعيد الحياة لهذه المدينة الباسلة.