محمد نور الدين

زائر مصر هذه الأيام شاهد على الكثير من تفاصيل المشهد المتعدد الجوانب. ويمكن له أن يلمس عن كثب، وبمقدار معقول، ما يجري خارج التنظير من بعد سواء في المنحى الإيجابي أو السلبي.
شهدت مصر في الأيام القليلة الماضية أكثر من حادثة أمنية واجتماعية؛
فالإرهاب ضرب بقوة في منطقة الجيزة السياحية حيث سقط خمسة شهداء من الشرطة على يد مسلحين كانوا يمتطون دراجة نارية. ومن بعد ذلك قتلت سائحتان ألمانيتان في منتجع الغردقة على البحر الأحمر. وبعدها حصلت حادثة الورّاق في نهر النيل ورفض مواطنون إزالة التعديات على الأملاك العامة وسقط شخص قتيلاً وقد اتهمت مصر طابوراً خامساً بالتحريض على إثارة الفتنة وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
لا شك أن مصر تواجه تحديات كثيرة جداً وهي توجد بين مجموعة من الخيارات الصعبة؛ حيث تكبلها اتفاقية كامب دايفيد وتشهد علاقاتها مع حركة حماس توترات دائمة بل إن العمليات الإرهابية ضد الجيش المصري تتركز في سيناء وشمالها وتشكل غزة خلفية اتهامية لهذه العمليات. 
وبين هذه وتلك، انفجرت العلاقة مع قطر على خلفية واضحة وهي وقوف قطر إلى جانب تنظيم الإخوان المسلمين المصنف منظمة إرهابية في مصر والمتهم بالوقوف وراء معظم العمليات الإرهابية في مصر.
وتواجه مصر تحديات اقتصادية خصوصاً بعد رفع الدعم عن سعر البنزين وما يشاع عن احتمالات رفع الدعم عن الطحين في مطلع آب/ أغسطس المقبل، وما قد يولّده ذلك من صعوبات معيشية للمواطنين الذين ينتظرون من الحكومة خطوات تريح الشارع.
ورغم ما قد يوجه من انتقادات للنظام؛ فإنه نجح حتى الآن في توفير استقرار سياسي ملحوظ من جهة وخطوات اقتصادية معقولة بحيث أن صندوق النقد الدولي منح مصر علامة إيجابية واعتبر أن اقتصادها دخل مرحلة التعافي وبالتالي التنمية من جهة أخرى.
وتواجه مصر تحديات خارجية كبيرة وأهمها الخطر الذي يشكله الوضع الأمني في ليبيا ولا سيما بعد العملية العسكرية الكبيرة ضد حافلة الأقباط والذي قالت القاهرة إن منفذيها جاؤوا من ليبيا وأعقب ذلك ضرب الطائرات المصرية قواعد عسكرية لتنظيم داعش في درنة غربي ليبيا. 
وما يزيد من المخاطر على الوضع في مصر التطورات في سوريا والعراق والهزائم التي تلحق بتنظيم داعش بعد تحرير الموصل واقتراب تحرير الرقة وتضييق الخناق على «داعش» في السخنة ودير الزور. وهذا يدفع البعض إلى الاعتقاد وتوقع أن تنتقل حركة داعش العسكرية إلى بلدان أخرى مثل ليبيا ومصر وربما غيرهما.
وجاء انفجار العلاقة بين مصر والسعودية والامارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى لتزداد لعبة عض الأصابع وشد الحبال بين مصر وقطر والتنظيمات الدينية التي تدعمها قطر.وقد ألقت وسائل الإعلام المصرية اللوم على قطر بالوقوف وراء عملية الجيزة فيما التحقيق جارٍ حول دوافع قتل السائحتين الألمانيتين.
ولا تعرف العلاقات المصرية - التركية أي فسحة هدوء وتحتل تركيا حيزاً واسعاً من اهتمامات وانتقادات الصحف المصرية.
ولا شك أن من التحديات التي تواجه مصر مسألة المياه والمخططات «الإسرائيلية» الهادفة إلى الضغط على مصر عبر إثيوبيا وسد النهضة وما يمكن أن تصل إليه جهود منع انفجار الوضع.
لقد تجاوزت مصر قطوع ما سمي ب«الربيع العربي» ومن أهم مفاصله الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي وأعادت تنظيم أمور البلد بصورة مقبولة تفتح على أفق أن تتحول إلى مسار مستقر وتنموي. كما عملت على السير وسط التناقضات الإقليمية والدولية بما يمنع ارتداد السلبيات على مصر في حدها الأدنى. ولا تزال مصر بحاجة إلى المزيد من الجهود والعمل لتكون أكثر استقراراً وأمناً ونمواً اقتصادياً ولتكون ذات دور إقليمي أكبر ومؤثر يعيد لها الريادة في قيادة العمل العربي المشترك والتقريب بين العرب لمواجهة مخططات الشرّ الخارجية.