فهد المضحكي

في تعريف الحرية الاكاديمية نص اعلان ليما بانها حرية اعضاء المجتمع الاكاديمي في متابعة وتطوير ونقل المعرفة من خلال البحث والدراسة والمناقشة والتوثيق والانتاج والتدريس والمحاضرة والكتابة.
ومع ذلك، فان الظاهرة المقلقة في اغلب الجامعات العربية هي تقيد الحرية الاكاديمية بقيود قانونية واقتصادية وامنية وادارية... الخ.
واذا كان الخبير القانوني محمد فرحات يفترض التسليم بوجود حريات اكاديمية تتمتع بذاتية خاصة تميزها عن الحقوق والحريات التقليدية المنصوص عليها في المواثيق الدولية، فانه يفترض ايضاً التسليم بان الاكاديميين يتمتعون بهذه الحقوق وهم على وعي بمسئوليتهم عليهم الا يسيئوا استخدامها وان يستعملوها داخل اطار ميثاق اخلاقي بما يلقى عليهم بمسئولية تجاه زملائهم اعضاء المجتمع الاكاديمي وتجاه المجتمع ككل.
الحرية الاكاديمية وفق ما يراها د. أثير حداد تقع ضمن ميثاق حقوق الانسان من جهة، ومن جهة اخرى ضمن التنمية البشرية – لماذا – لانها تهتم باهم عنصر وهو الرأسمال البشري. فرغم ان التاريخ يسجل بان من قاد التغيير الى الأفضل كان دائماً الانسان الواعي المتعلم. الا ان دلالات ما بعد الحرب العالمية الثانية تسطع بالاستنتاجات، وخصوصاً التغيرات ما بعد التسعينات من القرن الماضي ويقصد بها تحديداً انجازات تكنولوجيا المعلومات والنجاحات الباهرة التي حققها الشعب الياباني والكوري الجنوبي والهند والصين، تمتلك الدليل على اهمية الانسان المتعلم. فالتكنولوجيا الحديثة تتطلب معرفة والماماً والاكثر اهمية هو تجدد وتجديد المعلومة والمعرفة لان العلم في حالة تغير مستمر ومتسارع.
عموماً ان مفهومه للحرية الاكاديمية هو جزء اصيل من حرية الانسان في التعليم وحرية الرأي والمعتقد، اضافة الى ان الحرية الاكاديمية ملتصقة بالتطور الاجتماعي والاقتصادي فلا يوجد بلد واحد تطور اقتصادياً وكانت فيه الحريات الاكاديمية مقموعة. فالحريات الاكاديمية تمثل ركناً اساسياً من اركان نهضة الشعوب.
قيل الكثير عن الحرية الاكاديمية لاعتبارها شرطاً ضرورياً للتقدم العلمي والمعرفي. ما هي الاشكاليات التي تعترضها؟ ولماذا بعض النظم لا ترغب في هذه الحرية؟ وأين النظم العربية من هذه الحرية؟ كيف يمكن حماية هذه الحرية؟ هذه الاسئلة وغيرها تطرح مراراً وتكراراً في الكثير من البحوث والدراسات التي تهتم بالحرية الاكاديمية والحريات عموماً لان هذه الحرية كما وضحنا سابقاً مدرجة ضمن حقوق الانسان، هذا ما اكدت عليه المواثيق الدولية سواء كان اعلان ليما الصادر عام 1988 او غيره كميثاق حقوق وواجبات الحرية الاكاديمية الصادر عن الرابطة الدولية لاساتذة ومحاضري الجامعات عام 1982 واعلان بولندا 1993 واعلان عمّان للحريات الاكاديمية والبحث العلمي عام 2004، وعليه فان دعم الحرية الاكاديمية والبحث العلمي في الجامعات العربية من القضايا الملحة، لان اغلبية هذه الجامعات لم يعد بوسعها تتطور طالما ان الحرية الاكاديمية والمؤسسات البحثية تتعرض لانتهاكات وقيود حكومية ووصاية المؤسسات الدينية والخاصة!
احد الباحثين في دراسة واقع البحث العلمي العربي وغيره كثير يؤكدون ان لا تقدم في العلم الا بتوفير الحرية.. وان البحث العلمي يكون حيث تكون الحرية، والابداع العلمي لا يمكن ان يتحقق الا في مناخ ديمقراطي حر، فعلاقة البحث العلمي بالحرية علاقة تأثير وتأثر، تجعل حرية البحث العلمي الى جوار الحقوق الانسانية الكبرى كالحق في الحياة.
ما يجعلنا نستعرض هذا الكلام ثمة جامعات عربية لا تزال – في رأى الاكاديميين الذين يعملون فيها ورأي خبراء القانون مثل فرحات – ترتبط بالتوجهات الفكرية والايديولوجية الرسمية للنظام الحاكم، وينص عدد من قوانين الجامعات في بعض البلدان صراحة على هذا الارتباط، ويعتبر هذا الارتباط امراً واقعاً مسلماً به في البعض الآخر. ينتج عن ذلك مجموعة من الاثار السلبية التي تجعل الحديث عن الحريات الاكاديمية في الجامعات العربية نوعاً من اللغو. اذ لا يأمن الجامعي على نفسه وعلى وظيفته ان افصح في بحوثه او محاضراته عن آراء قد تحيد في قليل او كثير عن توجهات النخبة الحاكمة!
واذا ما تحدثنا عن الجامعات الخليجية الحكومية والاهلية فإننا لا نتحدث عن مبانٍ وتصاميم هندسية وبرامج ادارية وتعليمية وجاهزية وتنكولوجيا فهذا يشهد نهوضاً وتطوراً يحسد عليه، وانما نتحدث ومن دون تعميم عن مشكلات حقيقية لها علاقة بالتعددية والنقد وحرية التعبير والتفكير والابداع.
وعن هذه الجامعات يقول الاستاذ عبدالله سهر: ان مشكلة بعضنا او اغلبنا في مؤسسات الخليج العليا للتعليم هي اننا لا نستطيع ان نعبر بعلمية وبصراحة في حقائقنا الماثلة بينما نتوق بشراهة لما يكتبه نظيرنا بجامعة امريكية او اوروبية ونجس نبض حقيقة ما ان كانت قاصرة او مشوهة لاننا لا نستطيع قولها تماماً لانها لنا بمثابة الخشية من البوح بسر لجماعة منغلقة اكثر منه خوف من شرطي يقوم بعمله، والشيء الآخر ان هذه المؤسسات تبتعد عن دورها في تنمية الانسان والدولة مما جعلها مجرد دور علم صامت لا تتجاوز منتجاته اوراقاً على شكل شهادات لتخرج اناسا باحثين عن عمل فحسب، وهي اشكالية تكشف عن حقيقة جامعات عربية تعتمد على منهج التلقين والحفظ لا على منهج الحوار والنقد الامر الذي يؤدي في نظر المختصين الى اخراج اجيال غير مؤهلة للتفكير المبدع الخلاق اجيال لا تعترف بالاختلاف غير قادرة على حمل رسالة حقوق الانسان ومؤهلة للتبعية الفكرية سواء للسلطة الحاكمة ووسائل اعلامها او لجماعات الاسلام السياسي.
وتعاني ايضاً من تمييز في تولي المناصب القيادية وغياب مبدأ تكافؤ الفرص.
ولعل ما يلفت النظر تلك الجامعات حكومية كانت ام اهلية اصبحت كالدكاكين يشغلها الربح لا غير.