شتيوي الغيثي

خطاب الآخر في الخليج يختلف عن خطاب الآخر في الدول العربية الأخرى. الآخر عامل اقتصادي تنموي بحت في الرؤية الخليجية، وتتأثر الرؤية إليه حسب صعود التنمية وخفوتها

منذ أن دخل النفط إلى الخليج العربي والتنمية آخذة في الاتساع، ذلك الاتساع الذي جعل الخليج بأكمله قفزات كبيرة في الهواء لم تحصل لدولة عربية أخرى، ولذلك جاء العرب ليعملوا في الخليج كما كان الخليجيون سابقا يعملون في الدول العربية. وبسبب هذه الحال التي تبدلت جعلت بعض العرب لا يزال يحمل صورة نمطية للخليج، وهي للأسف صورة سيئة وليست جيدة. مرة أخرى أعيد وفي أكثر من مقال بأن هذه الصورة ليست عند الأغلبية، بل هي عند البعض أو عند النخبة من العرب (النخبة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية). أذكر أن أحد المثقفين الروائيين المشهورين قبل سنة كان ما زال يعتبر أن سُكّان جزيرة العرب ليسوا إلا رعاة إبل، وقطاع طرق في تاريخهم، وإن كان اعتذر عن ذلك الوصف بعد أن انتقد إعلاميا من قبل الشباب السعودي، إلا أن هذه الغلطة تكشف عن تلك الصورة النمطية التي تسيطر على أولئك، ومع تقدم التنمية في الخليج بحيث تحولت من أطراف إلى مراكز بحكم تأثيرها الثقافي والاقتصادي فقط، بقيت تلك الصورة على ما هي عليه.
لا أحد ينكر بالطبع أن الجزيرة العربية ومعها دول الخليج العربي قبل النفط كانت صحراوية، وأن وسائل النقل كانت الإبل والخيول والحمير، لكن هذه الحال مثل بقية العرب، فالجميع استخدم هذه الوسائل، ولا يعني تقدم دولة بعدد السنوات التي لا تتجاوز العشر أو العشرين أنها أكثر تقدما من غيرها. نهضة العرب متقاربة، والأهم هو بقاء النهضة أكثر من الانحسار. معظم الدول العربية بدأت تنحسر عن بدايات النهضة، بعد أن كانت هي المركز الثقافي والحضاري للعالم العربي. الآن تبدلت الحال لتصبح دول الخليج مركزا، وهذه بالطبع ليست ميزة في الخليجيين وليست قدحا للعرب، إنما هي قراءة لتحولات الحالة الحضارية وتبدل الأحوال، ونقدا لذهنية البقاء أو الصور النمطية لأي كيان حضاري جديد أو قديم.
الأمر لا يعدو أن الحالة الخليجية هي حالة ما زالت في طور التنمية، وما زالت قوة اقتصادية وسياسية يعوّل عليها العرب كثيرا، بل هي التي استطاعت أن تكون أقوى مع الاضطرابات السياسية في الدول العربية الأخرى. فبقدر ما كانت الدول العربية تتأخر بسبب اضطراباتها كانت دول الخليج أكثر متانة وأكثر ثباتا، وبقدر ما توقفت التنمية في عدد من الدول العربية كانت الدول الخليجية تسير في تنمية مدنها ومواطنيها حتى الآن.
ومن الجدير بالذكر أن التنمية في الخليج قامت على الآخر أيضا، وهذا ما لا ينكره الخليجيون مطلقا. كان الآخر عاملا من عوامل النهوض، حينما كانت أدوات التحضر في يده،ولذلك استفاد الخليجيون من هذه الحالة لبناء نهضتهم. وصحيح أن عقدة (الأجنبي) وأنه أكثر تطورا من المواطن، إلا أن هذه الحالة بدأت بالانحسار كثيرا، فالمواطن الخليجي أو معظمهم ذوو تعليم جيد، ويمكن بناء مجتمع قوي حتى مع كل حالات التأخر الثقافي والسلوكي لبعض أبناء الخليج، إلا أن ذلك لا يعني أن مثل هذه الحالات غير موجودة في البلدان العربية الأخرى.
العلاقة مع الآخر هي علاقة رضا في أحسن أحوالها، وإن كان في السنوات الأخيرة بدأ النقد للعمالة يأخذ منحى غير ما كان عليه. امتنان الخليجي للآخر كان امتنان بدايات النهضة، والآن يمكن القول إنه أخذ بالفتور والنقد. هناك صورة نمطية عند الخليجي أن العمالة الوافدة جاءت لتأخذ خيرات البلد وهذا ليس صحيحا، بل كانت رافدا من روافد النهضة كما قلت، وهذه باقية في ذاكرة آبائنا أكثر من ذاكرتنا نحن الأبناء، والسبب هو أيضا تبدل الأحوال، حيث تحول الخليجي إلى يد عاملة باستطاعته أن يقيم نهضة بلاده، وهذا ربما ما سبب في العلاقة مع الآخر من الناحية التنموية شيئا من الفتور عن حالة الامتنان السابقة. هذه المسألة فقد بقيت في الحالة التنموية والعملية وليست على إطلاقها إذا لم تزل الرؤية للآخر شبه طبيعية من قبل الخليجيين في الجوانب الأخرى، والسبب هو أن الآخر جاء عضدا ولم يأت غازيا كما في الحالة التي جاء بها الآخر في معظم الدول العربية، ولذلك كانت العلاقة مرتبكة جدا في التصورات العامة لدى الناس ما بين عدد من الصور المتداخلة التي شكلت الذهنية التي تسيطر على بعض العقول التي تأثرت بالخطابات العربية ما بعد الاستعمارية، والتي لم تحصل في الحالة الخليجية، وتحديدا في السعودية، بل كانت الحالة السعودية ما قبل حداثية وبعد النهضة تقدم الخطاب الحداثي في الوقت الذي كان الخطاب ما بعد الاستعماري هو الخطاب المسيطر في غالب الرؤية الثقافية العامة.
من هنا يمكن القول: إن خطاب الآخر في الخليج يختلف عن خطاب الآخر في الدول العربية الأخرى. الآخر عامل اقتصادي تنموي بحت في الرؤية الخليجية، وتتأثر الرؤية إليه حسب صعود التنمية وخفوتها وفرص العمل فيها ما بين حالة امتنان أو حالة سخط، في حين كان الآخر حالة استعمارية في الدول العربية، وتتراجع أو تتقدم هذه الرؤية حسب الخطاب الثقافي أو الحزبي المهيمن في الدولة العربية، وهما سياقان مختلفان ما بين الخليج والعرب شكلا خطابين أو تصورين متناقضين سببا حالة نقد متبادل بين الخطابات الثقافية المختلفة ما بين هؤلاء وهؤلاء في بعض الأحيان، أو ربما حالة تأثير وتأثر بحكم امتداد الخطابات العربية في الخطابات الخليجية.