يعقوب الشراح 

أتذكر الجدل الذي ساد منذ عقد من الزمان، عندما طرحت الحكومة فكرة امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، مسايرة لحاجتها ولتوجه بعض دول مجلس التعاون إلى سياسة الاعتماد على هذه الطاقة الضرورية لإنتاج الكهرباء مستقبلاً. وقد كان الجدل يدور وقتها حول مدى ضرورة الطاقة النووية أمام كلفتها العالية في مراحل إنشاء المحطات. لكن أكثر المخاوف عادة تكون من احتمالات انبعاث الشعاع النووي في حال حدوث أخطاء في المحطات النووية، خصوصاً وأن ضيق ومحدودية الجغرافية لا يسمح باختيار المواقع الأكثر مناسبة لبناء محطات نووية بعيدة عن الكثافة السكانية التي تتواجد على سواحل البلاد.

عموماً، لا تخلو أي دولة لديها محطات نووية سلمية أو غير سلمية من القلق المستوطن لدى الناس رغم الاحتياطات والشروط والرقابة المحلية والدولية الصارمة على المنشآت النووية وعمليات تشغيلها. الكثيرون يرون أن إشكالية المحطات النووية تكمن بدرجة كبيرة في احتمالات حدوث الأخطاء البشرية في إدارة وتشغيل المحطات، والإهمال في عمليات المتابعة والصيانة، وقد تتعرض المحطات إلى عمليات إرهابية بالغة الخطورة تنتج عن التخريب الذي يؤدي إلى تسرب نووي مميت يتضرر منه القريب والبعيد عن موقع التسرب الإشعاعي.

وعلى الرغم أن مبررات القلق من المحطات النووية مشروعة، إلا أن دولاً كثيرة عقدت العزم وسارت في طريق إنشاء محطات نووية للأغراض السلمية، خصوصاً وأن هذه المحطات تستهدف توليد الطاقة الكهربائية التي أصبحت معدلات استهلاكها في السنوات الأخيرة تفوق كل تصور، ولدرجة أن الدول لم تعد قادرة على تحمل أعباء الإنفاق على المحطات الكهربائية التي تستهلك الوقود الأحفوري، خصوصا النفط والغاز الذي من حيث الكلفة يرهق ميزانيات الدول المالية، فضلاً عن أن حرق الوقود الأحفوري في محطات الكهرباء يؤدي إلى تلوث البيئة وتدهورالصحة العامة.

هناك الكثير من الدول في منطقتنا تمتلك محطات نووية مثل إيران، وكذلك دول قطعت شوطاً في إنجاز المحطات النووية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة. ودول أخرى اتخذت قرار العمل في مشروع بناء محطات نووية للأغراض السلمية مثل مصر وغيرها ما يعني أن القلق لم يعد قائماً، وأن مبررات بناء المحطات النووية كافية للإقدام على تبني مشروع المحطة النووية الذي يساهم في التنمية العامة، وتوفير الكهرباء مقابل قلة الإنفاق مستقبلاً.

نتمنى استعجال تنفيذ مشروع بناء محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية بالاتفاق مع الدول التي تمتلك الخبرة. فرغم تأخرنا في هذا المجال إلا أن البدء بالمشروع خير من الانتظار. ولأن المشروع متعدد الاحتياجات فإن مسؤولياته ينبغي أن تناط بمؤسسة للطاقة النووية مستقلة عن الأجهزة الحكومية يقع على عاتقها الإنشاء والتشغيل والرقابة، واتباع أفضل المعايير العالمية للاستفادة الإحصائية في المجالات النووية والفيزيائية والكيميائية، وكذلك إدارة قادرة وماهرة تديرالمشروع وتوفر له كل احتياجاته المادية والبشرية.