حسين شبكشي

عندما ننظر إلى حالنا ومشاكلنا من خلال أعين «الآخرين»، نحظى بمفهوم جديد مختلف للموضوع، وتتاح لنا «رؤية» مغايرة للمسألة، وقد يكون في ذلك الحكمة المنشودة والمأمورون في البحث عنها والسعي إليها أينما كانت. أدركت ذلك بشكل عملي وأنا في حوار لطيف مع رجل أعمال من هونج كونج وآخر أمريكي مقيم بالأرجنتين، التقيت بهما في ورشة عمل مؤخرا. طلب مني الأمريكي أن أشرح له الخلاف السني الشيعي، وبعد جهد طويل ومضن مني لتبسيط المسألة له،

التقط خلاصة الموضوع ونظر إلي نظرة فيها مزيج من الحسرة والسخرية والتعجب، وقال يتقاتلون بعد 1400 سنة على حق الحكم بين شخصين متوفيين منذ طوال هذه الفترة؟ هل أنت جاد؟ قلت له نعم، ثم توسع الأمر بعد ذلك ليصبح فرقا وطوائف ومذاهب، ولكن نعم هذا هو الموضوع باختصار شديد. وهنا قفز الرجل الصيني وقال لي: سمعت أنكم تختلفون بحدة حول مسمى الخليج العربي أو الخليج الفارسي، وتعتبرون ذلك مساسا بالعار والشرف والعزة والكرامة؟ قلت له: في الواقع نعم هذا توصيف حقيقي للمسألة. والأمريكي الذي يبدو أنه كان قارئا جيدا لأوضاع المنطقة بحكم سفره وترحاله في أكثر من دولة حول العالم، تشجع وقال لي: ولا زال في منطقتكم التصنيف العرقي والمناطقي والمذهبي والطائفي والديني هو الأساس، مما يعني أنه أهم من الكفاءة في المنصب، بل سمعت أن هناك تطليقا للمتزوجين تحت ذريعة عدم تكافؤ النسب؟ وهنا أدركت أنه في زمن العولمة تسقط حواجز المستور عنه، وتصبح الفضائح عالمية و«بجلاجل»، وظهر خجلي في الإجابة وقلت له نعم هذا أيضا توصيف صحيح.

ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أنبري بالدفاع التقليدي المبرمج والممنهج سلفا، وقلت له ولكنكم أيضا لديكم العنصرية العفنة والتمييز المقيت، وهنا قاطعني الرجل بضحكة هستيرية مجلجلة، وقال لي: يا صديقي الفارق في حديثكم ووضعنا أننا وضعنا قانونا صارما ضد هذه الإجراءات الفردية، والتي متى تحدث تهب وسائل الإعلام والقوى البرلمانية والقانونيون والحقوقيون للدفاع عنها، بينما أنتم تجدون من يبرر ذلك تحت اسم الدين أو العادات أو التقاليد أو حماية التراث أو الحفاظ على المجتمع ونقاوته. وهنا تدخل الصيني، وأضاف بكلام مليء بالحكمة وقال لي المجتمعات التي لا تكون متصالحة تماما مع نفسها وفي حالة سلام اجتماعي حقيقي، لا يمكن أن تبيع للغير فكرة التعايش والتسامح، عليكم بالاستفادة من تجارب من سبقكم من الأمم والشعوب، فكلهم مروا بنفس المحن والتحديات والحروب واستفاقوا متأخرين بعد أنهار من الدماء، استفيدوا مما حصل لغيركم واتعظوا ولا تجعلوا التصنيفات الواهية تمزق بلدانكم وأوطانكم ومجتمعاتكم. بعد الكلام الصحيح والصادم الثقيل هذا لم أجد أسهل من الصمت، وبدون إضافة تعليق على ما قال الرجل، متذكرا القول المأثور: اطلبوا العلم ولو في الصين.