صالح الشهوان

الهيئة السعودية للمهندسين هي الإطار الذي ينتظم فيه المهندسون السعوديون من جميع التخصصات الهندسية، لها دورها الأساسي الذي يستهدف النهوض بمهنة الهندسة وكل ما من شأنه تطويرها ورفع مستوى العاملين فيها، وتتمحور مهامها حول وضع أسس مزاولة المهنة والوفاء بشروطها بدءا من المؤهل الهندسي إلى الترخيص لمزاولة المهنة ووضع القواعد والمعايير للحصول على الدرجات المهنية وكذلك إعداد الامتحانات لها وإعداد الدراسات والأبحاث وتنظيم الدورات وإقامة الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة وتقديم المشورة الفنية في مجال اختصاصها.

هذا التنظيم الإداري الاعتباري للهيئة السعودية للمهندسين يضم في عضويته نحو 27 ألف مهندس سعودي ونحو 184 ألف مهندس غير سعودي، ويقوم على التحكيم فيها 72 محكما سعوديا و21 محكما غير سعودي، كما تشرف على أكثر من 136 مركز تدريب في مختلف المناطق. وأول ما يلفت الانتباه في هذه الهيئة الموقرة هو كون أعداد غير السعوديين فيها يتجاوز بكثير أعداد السعوديين إلى حد بلغ نحو ثمانية أضعاف.. وهو ما يعني أن قطاع الهندسة السعودية يسجل نقصا حادا في قواه الوطنية، وهو نقص لا شأن للهيئة به، فهو قد يرجع إلى أن كليات الهندسة السعودية والبعثات لم تستطع بعد توفير هذه القوى لسد الاحتياج إضافة إلى أن أعدادا من المهندسين السعوديين قد لا يلتحقوا بعضويتها. وإذا كان هذا واحدا من الظواهر السلبية،

لا تتحمل الهيئة بذاتها مسؤوليته، ــ كما أشرت ــ، تبقى غلبة أعداد المهندسين غير السعوديين بنسبة كبيرة جدا، تشكل بحد ذاتها مزاحمة شرسة للسعوديين على فرص العمل في القطاعين العام والخاص لأسباب عديدة أهمها هو مقدار ما تدفعه الجهات لغير السعودي الذي غالبا يقبل براتب ليس بوسع المهندس السعودي القبول به.. لأن غير السعودي ينظر إلى ما يدفع إليه من زاوية الموازنة بينه وبين ما كان سيحصل عليه في بلاده، فيما لو توافرت له فرصة العمل هناك، وبالتالي فإن المهندس السعودي لا يستطيع قط منافسة غير السعودي من هذا الجانب الذي تستغله الجهات لسد احتياجاتها على حساب فرص عمل، السعوديون هم الأولى والأحق بها، فيما لو أن الرواتب التي تقدم لهم مجزية ولا يحكمها المزاج الإداري وغياب المعايير التي يفترض أن تراعي مستوى المعيشة وبسقف احتياج السعودي. بل لا يتوقف الأمر على المنافسة والمزاحمة غير العادلة التي يعانيها المهندس السعودي في سوق عمل القوى الهندسية فحسب،

وإنما في كون هذا السوق يسرح فيه ويمرح حجم هائل من المهندسين غير السعوديين هم أصلا ليسوا من حاملي مؤهل مهنة الهندسة، وقد يكونون من متدني التعليم لكنهم يتسترون خلف شهادات مزيفة مزورة، فقد أشارت الهيئة السعودية للمهندسين إلى أنها اكتشفت نحو 16 ألف شهادة هندسة مزورة.. وهذا شأن خطير، لا يقف خطره عند حد المزاحمة على فرص العمل، ولكنه يتجاوزه إلى الضرر الفادح الذي يلحقه هؤلاء المزيفون في الأعمال التي تسند إليهم لتنفيذها، سواء كانت منشآت مبان أو جسور أو طرق وأنفاق أو كانت في صناعة الألبان والدواجن واللحوم أو في صناعة الدواء أو في المحاصيل الغذائية من فواكه وخضار، ناهيك عن أن تسند إليهم مهام تشغيل مصانع وحواضن تقنية ومختبرات ومعامل وصروح كيماوية وغير ذلك من منتجات استهلاكية تغطي شؤون حياتنا، ففي كل ذلك لن يقتصر الضرر على عيوب إنشائية أو سوء المواد المستخدمة ولا ما يستتبع ذلك من خسائر مادية وإنما مخاطر جسيمة تعرض حياة الآخرين للموت أو تدفعهم إلى وضع صحي يجعل الحياة ثقيلة عليهم بسبب استهتار مهندس زائف.

ويزيد الطين بلة أن المهندس السعودي، حين يحاول شق طريقه بعمل خاص يجد نفسه غالبا تحت مسطرة شروط السعودة التي اضطرت كثيرين إلى قفل مكاتبهم الهندسية، كما يفاقم الوضع أن المهندسين السعوديين يعانون من كونهم يجدون أنفسهم ـــ رغم التوصيات والتوجيهات ــــ خارج الاعتبار في المناقصات والعطاءات وعروض المشاريع سواء في المتابعة أو التصميم أو الإشراف وما إلى ذلك من أمور فنية كان يفترض أن يكون وجودهم فيها في صدارة الاهتمام عند تحديد البرامج والمشاريع وإرسائها لسبب جوهري يتعلق بهوية الهندسة الوطنية ودورها الأقدر على إثراء الهوية الوطنية، وبما يكسب التنمية ضمانة استدامتها. لذا.. يحق للهيئة السعودية للمهندسين أن ترفع الصوت عاليا غيرة منها على سمعة وشرف هذه المهنة، أن تكون هي الجهة المسؤولة أولا وأخيرا عن التحقق من صدقية الشهادات.. وألا يتاح لمهندس ممارسة عمله في أي قطاع من قطاعات الهندسة في أي مدينة أو قرية وفي أي مرفق من المرافق سواء الوزارات أو الشركات والمؤسسات العامة والخاصة دون أن يحصل على ترخيص منها، وقد يتطلب ذلك أن تعطى للهيئة شخصية تخولها الاتصال بكل بلد أو جهة للتحقق من صحة المؤهل الهندسي.. وهذا عمل صعب مكلف، ولعل إيجاد آلية جديدة ترتبط فيها الهيئة السعودية للمهندسين بوزارات العمل والتعليم والتجارة لتسوية ذلك اقتراح يستحق النظر فيه.. أما حلحلة مسائل الراتب والاحتواء في المشاريع والسعودة فأهل الدار، بكل تأكيد، أدرى بها مني لكيلا يظل الحال على ما هو عليه!!