ياسر الغسلان

هناك تصور لدى البعض أن العلاقة المتوترة التي تجمع الرئيس ترمب بأغلبية وسائل الإعلام الأميركية تعد ظاهرة جديدة وغير مسبوقة؛ نظرا للتغطية السلبية والهجومية والنقد المستمر اللذين يحظى بهما الرئيس الأميركي لكل الأعمال والأقول التي يخرج بها، إضافة لاختيار الرئيس وسائل بديلة لإيصال رسالته للجمهور الأميركي عبر تغريداته اللاذعة أحيانا والصادمة أحيانا أخرى، والتي بها استطاع تجاوز سلطة وسائل الإعلام التقليدية بنقل الأخبار وصنعها، إلى جانب هجومه المستمر وتشكيكه الدائم بتلك الوسائل ووصفه إياها بأنها وسائل الأخبار الكاذبة.
القول بأن العلاقة السلبية بين الرئيس ووسائل الإعلام أمر جديد وظاهرة تشير لسلبية الإعلام في التعاطي مع رئيس قوي أمر غير صحيح، بل ينم عن ذاكرة ضعيفة، فطبيعة عمل وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأميركية تنطلق من التعديل الأول للدستور والذي يعطي كل مواطن أميركي الحق في التعبير عن الرأي بحرية تامة، وهو المنطلق الذي طالما أوضحته لنا أمثلة التاريخ من أن بعض الرؤساء الأميركان حاولوا منعه أو التقليل من تأثيره عليهم في إدارتهم لشؤون الدولة، وهو أمر كان ولا زال في عهد ترمب أحد أهم المنغصات والذرائع التي تحكم علاقة الرئيس بوسائل الإعلام ذات الإرث والمكانة في المجتمع الأميركي.
هناك أربعة أمثلة في التاريخ الأميركي الحديث تبين أن هذه العلاقة المضطربة ليست جديدة، فحادثة «ووترغيت» الشهيرة التي فجرتها صحيفة الواشنطن بوست وأسقطت الرئيس نيكسون بدأت قبل الفضيحة بسنوات، وذلك إبان ترشحه للرئاسة للمرة الأولى وفشله في عام 1960، وفي ترشحه للكونغرس عام 1962 وفشله أيضا، فقد خلق لدى نيكسون حالة من التشكك والكره للإعلام حتى أن إدارته بعد أن أصبح رئيسا هددت بتجريد القنوات التلفزيوينة من تراخيصها، وذلك للضغط عليها بحيث تقوم ببث الأخبار وفق التوجهات التي يحددها البيت الأبيض.
الفرق بين نيكسون وترمب أن الأول كان يعادي الإعلام بالخفاء ويعمل على الحد من سلطته دون أن تكون المواجهة صريحة، رغم أن الجميع كان يعلم بوجودها، بينما اختار ترمب وسيلة الهجوم العلني مما جعل التصور بأنه المرة الأولى هو الغالب، الفرق بين الاثنين كما يقول متابعون فقط في الاستراتيجية وليس في الهدف.
الرئيس رونالد ريغان بدوره وبهدف تجاوز ما اعتبره إعلام عدائي قام بتنشيط عمل مكتب خدمات الأخبار في البيت الأبيض بهدف توفير الأخبار لجميع وسائل الإعلام المحلية مباشرة ودون وسيط، وكما يراها البيت الأبيض لا كما ينقل عنها عبر صحف كنيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرهما، ولكي تصل لوسائل الإعلام المحلية بشكل نقي دون تسييس وتوجيه، وهو أمر اُعتبِر تذاكيا وتحييدا لسلطة الإعلام التقليدي في التأثير والمحاسبة.
أما بيل كلنتون فلم تكن حاله أفضل من سابقيه، فقد هاجمه الإعلام وطالب بتنحيته إثر فضائحه المتكررة، والتي من أشهرها فضيحته الجنسية مع المتدربة مونيكا لونسكي، وقضية «وايت ووتر» المتعلقة بمشروعات استثمارية في القطاع العقاري قام بها وزوجته وهيلاري كلينتون وشركاؤهما جيم وسوزان ماك دوجال، عبر إنشائهم شركة تعرف باسم (وايت ووتر للتنمية)، فما بين الكذب تحت القسم والشبهات في فساد كان الإعلام عدو كلينتون الأول والأشرس.
أخيرا بوش الابن الذي كرر ما قام به ريغان من إنتاج تقارير تلفزيونية لتبث على الشبكات المحلية للتأثير على المواطن بعيدا عن تأثير الوسائل الإعلامية الرئيسة، خصوصا بعد أن فقدت إدارته الثقة بتلك الوسائل، وفقد الإعلام الثقة به وبإدارته إثر الهجوم المستعر، بعيد فضائح سجن أبو غريب، وزيادة تسرب الإثباتات للإعلام من أن تبرير غزو العراق في عام 2003 بالقول إنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وأن النظام العراقي مشتبه بعلاقة مع القاعدة وابن لادن، لم تكن أكثر من كذبة مفبركة صاغها بوش وأعوانه لإقناع الشارع الأميركي والعالم لضمان الدعم في المجهود الحربي.