حسن مدن

أقرَّ البرلمان التونسي الأسبوع الماضي قانوناً لمكافحة العنف ضد المرأة، يُعد من أكثر التشريعات العربية تقدماً في هذا المجال، وكان القانون محل سجال وجدل طويلين في البرلمان وفي المجتمع، حتى ظهر في الصورة التي أقرّ بها.


وقبل أسبوعين أو ثلاثة، أقرّ مجلس النواب البحريني، لكن على عجل، قانون أحكام الأسرة، وأثار صدوره جدلاً في المجتمع، خاصة وأنه لم يجر إشراك النساء، عبر مؤسساتهن المعنية، في النقاش حول مواده، ومع أن وزارة العدل أدخلت تعديلات إيجابية مهمة على مسودة القانون التي وضعتها لجنة شرعية مكلفة، إلا أن الوزارة، وللأسف، سرعان ما تراجعت عن تعديلاتها تحت الضغوط التي مورست عليها.
وللإنصاف فإن صدور هذا القانون صححّ خطأً قائماً قبله، حيث كان يعمل بشق واحد خاص بالفقه السني، فيما تعذر، فيما سبق، إصدار الشق الخاص بالفقه الجعفري، بسبب المعارضة الشديدة التي أبداها عدد من رجال الدين الشيعة، فجاء القانون الجديد، لينهي هذا الوضع الشاذ، ويصبح هناك قانون واحد يُنظم أحكام الأسرة وفق الفقهين المتبعين في البلد.
لكن التشريع البحريني جاء في الكثير من أوجهه قاصراً، وغير ملبٍ لمطالب وتطلعات الحركة النسوية ومجمل مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة، التي تطالب ومنذ عقود بقانون عصري وموحد للأحوال الشخصية، خاصة لجهة تحديد سن الزواج بالنسبة للمرأة، فضلاً عن القيود الواسعة التي فرضها على المرأة في طلب التطليق في الحالات التي نصّ عليها القانون، وكذلك تقييد حق المرأة في الخروج للعمل من قبل الزوج، وهو أمر تجاوزه المجتمع البحريني نفسه منذ أمد طويل نسبياً.
أما في تونس فقد رحبت الحركة النسائية والمجتمع المدني بالقانون الذي يجرم العنف ضد المرأة، لأنه سيحمي الضحايا من النساء، وينص على منحهن مساعدة قضائية ونفسية، ويجتث أحكاماً قانونية اعتبرت رجعية، وألغى القانون الجديد بنداً مثيرا للجدل يسقط الملاحقات عن «كل من واقع أنثى بدون عنف، سنها دون خمسة عشر عاما كاملة» في حال تزوجها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الجمعيات النسائية في البحرين مستمرة في المطالبة بإلغاء مادة من قانون العقوبات تسقط العقوبة عن مغتصب المرأة في حال وافق على الزواج منها ولو لحين، ما يعني، ضمن أشياء أخرى، تغييب الرادع القانوني المطلوب ضد جريمة الاغتصاب.
من البنود اللافتة في التشريع التونسي الجديد، النص على زرع «مبادئ القوانين الإنسانية والمساواة بين الجنسين في المناهج التعليمية»، ما يجعل من مسألة حقوق المرأة مادة تربوية وجزءاً من ثقافة المجتمع، ويبدو هذا منسجماً مع تراث يعتد به في تونس، أرسى قواعده مؤسس الجمهورية الحبيب بورقيبة.