إيمان جوهر حيات 

أبدأ بمقولة الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي: «من يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلاً لمشكلاتهم، ولكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى».
البعض للأسف من المنتمين إلى التيارات الأصولية المتشددة يتهمون الفكر الليبرالي بأبشع الأوصاف، لا بل وبتكفيره أحيانًا، ولن نثير الفوضى بالرد على تلك الاتهامات المجحفة، بل سنوضح الحقائق والمبادئ الليبرالية.
الليبرالية هي نتاج سنين من التفكير والنضال والمساهمات الفلسفية المتعددة، التي مرت بحقبات ومراحل عدة، تتغير بتغير واقع الإنسان وفكره، وهي مبنية على الملاحظة والبحث والدراسة المستفيضة، متطورة وليست جامدة، وتسعى بالأساس إلى إنصاف الفرد وحماية حقوقه الإنسانية، بغض النظر عن معتقده أو دينه أو طائفته أو قبيلته أو طبقته الاجتماعية.
والليبرالية ليست ولن تكون ضد أي فئة من فئات المجتمع، أو ضد أي فكر إنساني بشكلٍ أشمل، بل تنادي لترسيخ مبادئ الدولة المدنية القائمة على الحقوق الإنسانية، كحرية التعبير والرأي، وحرية المعتقد، وعدم التمييز، والديموقراطية.
وهذا ما لا تفهمه الأنظمة المستبدة وأتباعها من تيارات الإسلام السياسي المتشدد للأسف، فبدلاً من الدخول في عراك وتراشق بأبغض الألقاب والألفاظ والتهميش، وعدم الاحترام، دعونا نتحاور بالحجة والبرهان والدليل، فنحن كليبراليين لا نُقصي المختلف، لأنه في النهاية إنسان، ولا نكفّر من لا نتفق مع توجهاته، بل نستوعب الجميع، لأننا نؤمن أن القوة تكمن بالاختلاف.
نحن نحترم إنسانية الفرد، ولا نميز بين رجل وامرأة، ولا أي إنسان ونظيره، إلا بالمجهود والكفاءة، وليس بالأصل والمذهب والقبيلة والطائفية والفئوية، وذلك لإيماننا بأن الإنسان، عندما يشعر بسيادة العدالة والحرية والمساواة، وباحترام فرديته وكرامته، سيكون إنسانًا منجزًا وفاعلاً قادرًا على العطاء والتصدي لما يواجهه من مشكلات، وما يترتب على ذلك من ازدهار ورقي المجتمع والوطن.
ها هي نتيجة الدكتاتورية والتطرف الديني والتسلط على الخلائق، التي لم تثمر سوى المآسي والفواجع، التي نراها كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي وكل وسائل الإعلام!
أليس من حقنا أن نقول: كفى، كفى لمن يستغل الدين لتحقيق مآربه المشبوهة، وكفى لمن يتبع سراب مدعي التدين ووعودهم المعهودة، ونطالب بالتعايش واحترام الاختلاف والتفكير والإبداع، ولا أعرف حقيقة أين يكمن الخطأ في ذلك؟!
الليبرالية ترى أنه لا غنى عن الحرية، التي بها تنمو مهارات وقدرات الأفراد ويتحقق الرضا والتوافق في المجتمع، حيث بها يتمكن الأفراد من تنمية قدراتهم ومهاراتهم وتحقيق ذواتهم، بما يتفق مع رغباتهم، وما يترتب على ذلك من شعور الفرد بالانتماء والأمان والاطمئنان.
وعندما نطالب بالحرية لا نطالب بالانحلال، كما يتهمنا أتباع الأنظمة الدكتاتورية المتسلطة، وأصحاب الأجندات الدينية المسيّسة، فالحرية التي نطالب بها مقيدة بعدم الإساءة والإضرار بالآخرين واحترام سيادة القانون والنظام.
الليبرالية ترفض جميع أنواع الاستبداد وأشكاله، سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وحتى الديني، وترفض تجهيل الشعوب وسياسة فرق تسد، وتناصر حق العقل بالمعرفة والتعليم، الذي على أساسه تنمو قدرات الفرد، ويصبح له دور فاعل في المجتمع، وهذا ما يخشاه المستبد والمتطرف، لأن الإنسان الواعي قادر على كشف حقائقهم المشينة والفوضوية.
فإقامة مجتمع مدني متعايش، يشعر كل فرد فيه بالعدالة والمساواة والحرية تحت مظلة القانون، هو هدفنا.
الليبرالي لا يسعى لا من قريب ولا من بعيد إلى أن يشن أي حروب عدائية مع أي دين أو توجه أو اعتقاد، ولا يفرض على الخلق الطاعة العمياء والامتثال لتعاليمه بلا تفكير ونقد وبحث ودراسة، بل يحارب كل من يستغل الدين لدغدغة مشاعر البسطاء من الناس وتجنيدهم لغايات هدامة.
نعم نحن ننادي بفصل الدين عن السياسة، وليس بفصل الدين عن المجتمع، فكل إنسان له الحرية بممارسة عقائده وقناعاته الخاصة كما يشاء، طالما لا يضر غيره أو يقصيه.
نحن نطالب بالالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، ونطالب بتطبيق القانون بعدالة ومساواة على الجميع من دون أي تمييز، ونطالب باحترام الاختلاف، ومحاربة الفساد ووقف الهدر.
ولن تُحل مشاكلنا حتى نحاسب أنفسنا بكل موضوعية وعقلانية، ونواجه الحقائق مهما كانت مؤلمة، بدلاً من الهروب ونشر الفوضى، وتشويه الوقائع بحجج وأكاذيب وادعاءات ملفقة وكيدية.
فهل نستطيع أن نتعاون جميعاً لأجل الإنسانية والوطن؟!