الملك محمد السادس: إذا أصبح ملك المغرب لا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟

 أقول كفى، واتقوا الله في وطنكم

أجمع مراقبون لشؤون المغرب على أن خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، السبت، في الذكرى الـ18 لاعتلائه عرش البلاد، جاء مباشرا وصريحا وقويا في محاسبة الطبقة السياسية التي تدير شؤون البلاد.

ورأت أوساط سياسية مغربية مطلعة أن العاهل المغربي يحاكم من خلال خطابه التجربة السياسية التي نتجت عن الإصلاحات الدستورية التي أعلن عنها في مارس 2011، والتي أتاحت من خلال سباق ديمقراطي انتخابي تشكيل حكومات منتخبة وفق ما يخرج عن الاقتراع الشعبي.

وقال الملك محمد السادس إنه “وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات وإجراء الانتخابات وتعيين الحكومة والوزراء والولاة والعمال والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر؟”.

ورأت مصادر مراقبة أن العاهل المغربي سلّط المجهر على تصدع هذه التجربة ووهن نجاعتها بعد أن تحولت إلى مبارزة حول المناصب، ودون أن تحمل ثمارا واعدة للمغرب وشعب المغرب.

ولفت الملك محمد السادس في خطابه إلى حقيقة أن أطراف النظام السياسي مازالت تختبئ وراء شخص الملك لمواراة فشلها في تحقيق الإنجازات المتوخاة، وأن الأمر لم يعد مقبولا.

ورأى أنه “عندما تكون النتائج إيجابية تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي يتم الاختباء وراء القصر الملكي وإرجاع كل الأمور إليه”.

ولفت في هذا الصدد إلى “مفارقات صارخة من الصعب فهمها أو القبول بها. فبقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، ومن تقدير شركائنا وثقة كبار المستثمرين كبوينغ ورينو وبيجو، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم”.

ويؤشر تساؤل الملك محمد السادس حول موقع الشعب المغربي وما تبقى من خياراته السياسية إلى تشكيكه في ما أنتجته الإصلاحات الدستورية وإلى خيبة أمله في الطبقة السياسية التي لم تكن في مستوى الارتقاء الديمقراطي الذي تحقق سلميا وبشكل انسيابي وحضاري في المغرب، فيما تغرق دول أخرى مجاورة في أتون الحروب الأهلية.

خالد شيات: الملك دق ناقوس الخطر من استهانة السياسيين بالمسؤوليات

وتساءل العاهل المغربي أنه “إذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”.

ورأت أوساط دبلوماسية في الرباط أن إلقاء خطاب العاهل المغربي هذا العام قبل يوم من احتفالات عيد العرش، يراد منه فصل المطالعة الملكية في لهجتها وفي مضمونها السياسي، لا سيما في تركيزها على قضايا البيت الداخلي المغربي، عن الأجواء الاحتفالية للمناسبة، والتي تعتبر عيدا للمغرب والمغاربة.

ولفت خبراء في شؤون المغرب إلى الشفافية والقوة التي خرج بها خطاب العاهل المغربي في توجهه إلى الشعب ناقلا له رؤيته وطبيعة اللوم الذي يلقيه على النخب السياسية الموزّعة داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ولاحظ هؤلاء أن الملك محمد السادس يريد أن يصارح شعبه برأيه في الخيارات التي أتى بها إلى الحكم وبالقصور الذي يرتكبه المسؤولون التنفيذيون في إدارة شؤون البلاد.

ورأى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن الخطاب وضع “عنوانين عريضين؛ الأول هو دق ناقوس الخطر بالنسبة للممارسة الإدارية والسياسية بالمغرب. والثاني هو تبعات الاستهانة بالمسؤوليات. الأول مرتبط بتلخيص الوضع ووضعه في قالب واقعي بعيدا عن التفاؤل أو التشاؤم. والثاني مبطن بالعقوبات المرتبطة بالمبدأ العام الذي يتأطر بضوابط دولة الحق والقانون ولا سيما ارتباط المسؤولية بالمحاسبة كما ينص على ذلك الدستور”.

وأتت كلمات الملك محمد السادس في خطاب هذا العام حادة ومحذّرة ومتوعدة “لكل هؤلاء أقول كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا”.

ويقول شيات إن “الخطاب هو مقدمة نظرية لفتح طريقة جديدة لمقارنة القادم في مجالي الممارسة الإدارية والسياسية بالمغرب” مرجحا أن يكون الخطاب الملكي مرتبطا عمليا بعقاب فعلي للمسؤولين عن الوضع الحالي.

وتوقفت أوساط دبلوماسية عربية وأجنبية في الرباط على مسألة تركيز خطاب الملك محمد السادس لهذا العام على الشأن المغربي الداخلي، حتى أن مسألة مغربية الصحراء جاءت في معرض تأكيده على مسلّمة في الوجدان المغربي، ما يعكس مدى الحرص الذي يوليه عاهل البلاد لمعالجة العلل الداخلية التي باتت تقف حجر عثرة بين إمكانات وطموحات المغرب وما يمكن تحقيقه في هذا الشأن.

وحمّل العاهل المغربي الطبقة السياسية المغربية مسؤولية الأحداث التي تشهدها منطقة الحسيمة، متهما إياها بتحويل الأزمة إلى مواجهة بين الناس ورجال الأمن الذين سعوا بصبر إلى استيعاب ما خلفه عبث السياسيين وضعف كفاءاتهم من انحدار في علاقة الشارع بالدولة.

وذكّر في هذا الصدد بأن “المشاريع التنموية والإصلاحات السياسية والمؤسسية التي نقوم بها، لها هدف واحد هو خدمة المواطن أينما كان. لا فرق بين الشمال والجنوب، ولا بين الشرق والغرب، ولا بين سكان المدن والقرى”.

وأصدر العاهل المغربي قبل إلقاء الخطاب بساعات عفوا شمل عددا من معتقلي “الحراك” في منطقة الريف بشمال البلاد، وفق ما أعلنت وزارة العدل.

وأوضحت وزارة العدل في بيان أنّ الملك أصدر عفوا عن 1178 شخصا بينهم عدد من معتقلي “الحراك” الذي قام على خلفيّة مطالب تنموية تندّد بـ”تهميش” الحسيمة في منطقة الريف.

وانتقد العاهل المغربي ما يردده البعض عن اللجوء إلى “مقاربة أمنية” في إدارة البلاد والتعامل مع الاحتجاجات، بينها “حراك الريف” (شمال) المتواصل منذ 9 أشهر.

واعتبر أن عجز السياسيين أدى إلى فراغ وأنه أمام “هذا الفراغ المؤسف والخطير، وجدت القوات العمومية نفسها وجها لوجه مع الساكنة، فتحملت مسؤوليتها بكل شجاعة وصبر وضبط للنفس، والتزام بالقانون في الحفاظ على الأمن والاستقرار. وهنا أقصد الحسيمة، رغم أن ما وقع يمكن أن ينطبق على أي منطقة أخرى”.