نزار عبد الستار


دائما ما نربط بين شخصيات حضارتنا الرافدينية وبيننا نحن الذين نعيش الآن في العراق، وهذا الربط لابد أن تكون له موضوعيته من ناحية الاصل والاشراقة الحضارية، فضلا عن المشتركات التي تتمثل بتوارث انماط الحياة وبالاخص في الأماكن المائية من الوطن.


اصحاب نظرية التشاؤم عادة ما يربطون بين الماضي والحاضر بغية تشخيص الخيبة واظهار افول الحاضر إزاء سطوع الماضي بانجازاته الحضارية العظيمة. إن هذا الربط يفترض به ان يصاغ بطريقة ايجابية وان يوظف لشحذ الهمم والتطلع إلى التعديل وصناعة المستقبل. 
بكل تأكيد لا يوجد أي فرق في الموهبة بين العراقي القديم والحالي وأي ربط بين الزمنين لابد أن يؤخذ من الجانب التحصيلي فنحن اصحاب الجذر الحضاري العظيم الذي يمتد إلى ما قبل سبعة آلاف سنة وحتى لو تكاسلنا قليلا وضعفت إرادتنا لبرهة قرون فلا أحد يستطيع إحداث القطيعة الثقافية بين العراقي الحالي والسومري القديم، ولا أحد يستطيع الجزم بعقم الحاضر ونعيم الماضي.
الابداعات الفردية تخرج من رحم المعجزة ولكن الانجازات الجماعية تحتاج دائما إلى توفر قاعدة عمل سليمة مدعومة بمستلزمات تحويل الطاقة المعنوية الكامنة إلى انجاز ظاهر. وحين نفكر بموضوعية ونعلي من مصلحة الوطن ونحقق قاعدة التطور، فان العراقي الحضاري سيحل من جديد في العراقي الحالي ويظهر جليا أن لا فرق بيننا وبين اصولنا الاعجازية.
انساننا القديم صنع حياته ووظف قدراته العقلية والابداعية فيها وهذا ما فعله الانسان في كل مكان من العالم. واليوم نحن امام امتحان البدء بصناعة الحياة وهذا الأمر يتطلب منا مد الجذور الثقافية إلى العمق وخلق روح التفاؤل من خلال النظر بايجابية إلى اصولنا الحضارية والعمل بافق مفتوح لتوفير مستلزمات الابداع المتمثلة بتحسين التعليم وتعزيز التنوير الاجتماعي التقدمي والعمل على خلق قاعدة صناعية في البلد تكون ملك التطلع الجمعي نحو المستقبل.
الانسان هو الانسان في كل زمان ومكان وحتى تستقيم الحياة وتزدهر لابد من اتباع الرجاحة في الحكم وادارة مقدرات البلد بحنكة ونزاهة وتوظيف طاقاته من اجل مستقبله. إن الخلل في المنظومة السياسية وعدم الجدية في الخروج من الازمات تجعلنا ننفصم عن ماضينا وعن كوكب الارض باكمله، وهذا بالتأكيد يكبل الانسان ويسقطه في العجز.