سارة حطيط 

عكست الصفقة بين «حزب الله» و«جبهة النصرة» التي ستفضي إلى رحيل أكثر من 10 آلاف لاجئ سوري من لبنان، بعضاً من الارتياح في صفوف لبنانيين، رموا في وقت سابق أسباب أزماتهم على نحو مليون لاجئ سوري يقيمون في البلاد، عادّين ما يجري الآن «تمهيداً لعودة السوريين على دفعات».

الخطاب اللبناني تجاه السوريين، الذي رأى فيه ناشطون حقوقيون «عنصرية»، استدرج خطاباً سورياً مقابلاً، وتنامى «خطاب الكراهية» على مدى 5 سنوات بشكل كبير في أوساط ما، مما استدعى تدخلاً من الرئيس اللبناني ميشال عون قبل 3 أسابيع لـ«إخماد» بعض من احتقان تنامى بين السوريين واللبنانيين، وانفجر عقب أحداث عرسال في الشهر الماضي.

لكن التوتر، في الواقع، لم يكن وليد لحظته، ولو أنه وصل إلى ذروته في الآونة الأخيرة، ذلك أن التراكمات الممتدة على 5 سنوات، منذ بدء النزوح السوري إلى لبنان، ضاعفت الاحتقان الذي كان ينفجر عند كل حدث.

وأشعل حدثان موجة غضب واتهامات؛ الأول، العملية العسكرية التي نفذها الجيش اللبناني في مخيمين للنازحين في عرسال وتوقيف متورطين ومتشبه بانتمائهم لـ«داعش». الثاني، انتشار شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر تعرض شاب سوري للضرب والإهانة من شبان لبنانيين، أوقفتهم القوى الأمنية في وقت لاحق. وتزامن الحدثان مع انتشار شريط ثالث أظهر امرأة سورية تكيل إهانات للبنانيين.

هذا الوضع ارتد سلبا على اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مخيمات أو منازل متواضعة، فازداد شعورهم بالخوف من أي أعمال ترهيب أو تخويف، ودفعهم لأخذ الاحتياطات اللازمة لضمانة أمنهم وسلامتهم.

يقول أحمد حسن، وهو لاجئ سوري وناشط، إنه قام بـ«إجراءات احترازية» كي لا يتعرض لأي أذى. يضيف: «عند مروري ببعض المناطق في بيروت، التي تشهد توترا ضد السوريين، أطفئ جهاز الهاتف كي لا أتحدث لهجة سورية، منعاً لاستفزاز أحد أو استدراج أي عراك. فالأمور محتقنة في هذه الظروف». ولا يخفي شعوره بـ«الخوف» من الوضع الذي وصلت إليه البلاد.

وتفرض بعض البلديات حظر تجول على السوريين بعد الساعة الثامنة مساء، في وقت تُكال فيه اتهامات للسوريين بأنهم «دواعش» في مناطق أخرى. ويقول علاء الدين الجاسم، الذي يعيش في لبنان منذ عام 2012، إن ما يتعرض له السوريون في الوقت الحالي «لم يشهد له مثيل». يضيف: «يصفونني اليوم بـ(الداعشي)، وتنهال عبارات مطالبة برحيلي من هنا والعودة إلى سوريا، في حين لم أكن أسمع كلمة واحدة تشعرني بأنني غريب عن أبناء البلدة في وقت سابق». ويعد الجاسم، الذي يسكن في الفرزل بالبقاع، أنه «مقيد»، خصوصاً مع صدور قرار البلدية بمنع التجول بعد الساعة السابعة مساء. ويقول: «نعيش اليوم في قفص، لا يمكننا الخروج ليلا، وكأننا نختلف عن باقي البشر».

وتنامت هذه النزعة ضد السوريين في أعقاب تفجيرات انتحارية وأعمال إرهابية ضربت لبنان، تبين فيما بعد أن سوريين متورطين بالانتماء لتنظيمات متطرفة، كانوا مسؤولين عنها. كما برزت في أعقاب انتشار إشاعات تقول إن السوريين مسؤولون عن ارتفاع نسبة الجريمة في لبنان، التي ارتفعت إلى أعلى معدلاتها إثر النزوح السوري.

لكن مصدراً سياسياً يرى أن هذه الإشاعات تندرج في إطار التضخيم. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لنكن منصفين، ليس السوريون المسؤولين عن ارتفاع معدل الجريمة، وليس صحيحاً أن عدد المتورطين السوريين بتجاوز القانون يفوق عدد اللبنانيين. أحياناً ثمة مبالغة».

وكانت إحصاءات في عام 2014 أظهرت أن 66 في المائة من الجرائم المرتكبة ارتكبها لبناني بحق لبناني، في مقابل 12 في المائة ارتكبها سوريون بحق سوريين، و5 في المائة ارتكبها سوريون بحق لبنانيين.

وينتشر أكثر من مليون سوري في سائر المناطق اللبنانية، ويقيمون في مخيمات للاجئين، يتركز معظمها في البقاع في شرق لبنان وفي شمال لبنان، بينما يسكن آخرون في بيوت ومناطق سكنية وسط أحياء يسكنها لبنانيون في سائر المناطق اللبنانية.

غير أن مخاوف بعض السوريين يبددها انتشار عشرات الآلاف منهم في مناطق لبنانية، يمارسون فيها حياتهم الطبيعية، ولم يتعرضوا لأي إشكال. يقول محمد العبد الله (42 عاماً) إنه موجود في بيروت منذ 2013، ولم يتعرض لأي مضايقات، لافتاً إلى أنه «يحمل أوراقا ثبوتية ويمارس حياته الطبيعية بشكل يومي».

ولعل اشتداد حدة التوتر في ظل «تغيّر مزاج» اللبنانيين تجاه السوريين، وارتفاع حدة «خطاب الكراهية» من الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع بالرئيس عون إلى التأكيد على أن «حل أزمة النازحين السوريين في لبنان والحد من أعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد، لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين»، داعيا إلى «الحذر وعدم الانجرار إلى لعبة بث الحقد، لأن نتيجتها لن تكون إيجابية على لبنان ولا على السوريين أيضا».

الواقع أن تصاعد التوتر ليس وليد اللحظة؛ إذ هناك عوامل عدة أدت إلى ارتفاع حدته تجاه اللاجئين، تعود أسبابها إلى حقبة وجود الجيش النظامي السوري في لبنان، بحسب ما تقول الباحثة الاجتماعية منى فياض لـ«الشرق الأوسط». وتوضح: «يحمل اللبناني في ذاكرته توترات تجاه السوريين، خصوصا من جهة النظام، وكل ما يظهر حاليا من اشتداد في خطاب الكراهية نابع من ترسبات الاحتلال السوري للبنان»، لافتة إلى أن «إظهار الأعمال العنفية التي يقوم بها سوريون على الوسائل الإعلامية يزيد من شحن النفوس ضد السوريين»، وتقول: «هذا يدفع باللبناني إلى القيام بردود فعل مضادة طريقةً للتعبير عن سخطه تجاه الوضع القائم، يتمثل بمطالبة السوريين بالخروج من لبنان أو وصفهم بالإرهابيين».

ولا يتوقف الأمر عند التصرفات العنفية، بل المنافسة بين السوري واللبناني في العمل شكلت إرباكا بين الطرفين؛ إذ «أصبح ينظر إلى السوري على أنه يأخذ لقمة العيش من اللبناني، وينافسه في العمل، ولا يتردد اللبناني في توجيه الاتهامات للسوريين إما بطريقة لائقة أو غير لائقة».

كل ذلك يزيد من الشعور بـ«الغبن والقهر» لدى السوريين، بحسب فياض، مضيفة: «لطالما كان يعدّ الشعب السوري نفسه عنصرا مساعدا للبنانيين ويقف إلى جانبهم، وبالتحديد في الحروب السابقة، حيث استقبلهم وفتح لهم منازله. أما ما يحصل اليوم، من ارتفاع الأصوات المطالبة بخروج النازحين، أو منعهم من التجول في عدد من المناطق، فيفاقم الوضع سوءا ويؤدي إلى تربية ضغائن كبيرة بين الشعبين». وتوضح: «ففي ظل ازدياد الكثافة السكانية عن نسبة 50 في المائة في بعض المناطق وانعدام أبسط شروط العيش، فالأمر سيولد حتماً أعمالاً عنفية وجرائم، تنذر بمخاطر كبيرة وتدق ناقوس الخطر».

من هنا، تؤكد فياض استحالة اندماج المجتمع السوري داخل المجتمع اللبناني، «لأن هناك اختلافاً كبيراً بين الشعبين من حيث العادات والتقاليد والبيئة المحافظة». وتضيف: «من غير الممكن دمج سكان غرباء، عاشوا سنين تحت سلطة ونظام مختلف عن نظامنا. وأصلا يصعب الاندماج في بلد استقبل السوريين غصبا عنه، ويفتقد إلى إدارة جيدة للأزمات. فلبنان بلد يعاني من فساد، وأزمة كهرباء ومياه وبطالة من قبل الوجود السوري، ولم يستطع حل أي أزمة داخلية ولا يمكنه القيام بأي سياسية أكبر من إمكاناته».

لكن صعوبات الاندماج، لا تنطبق على القطاع التعليمي، حيث يتلقى عشرات الآلاف من الأطفال اللاجئين في لبنان تعليماً في المدارس الرسمية والخاصة، وبينها الالتحاق بتلك المدارس في دوَامات بعد الظهر.

وتظهر فاطمة ماز، وهي أم لثلاثة أولاد، رضا عن اندماج أطفالها في المدرسة. وتقول: «لا أحد يتعرض لنا، ولا نشعر بأننا مختلفون عن اللبنانيين هنا». ماز التي تسكن في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، تبدي ارتياحها، خصصوا فيما يتعلق بالتعليم. وتضيف: «تمكنت ابنتي من الالتحاق بالمدرسة، وها هي اليوم في الصف الثالث ابتدائي».