أمل عبد العزيز الهزاني 

مر نحو شهرين منذ اتخذت الدول الأربع الداعية لمحاربة الإرهاب، قرار مقاطعة قطر، وما يمكن ملاحظته بجلاء أن رد الفعل القطري كان أكبر بكثير مما كان متوقعاً، حتى أنها تبدو اليوم عاجزة عن العودة إلى ما قبل 5 يونيو (حزيران)، وقت صدور قرار الدول الأربع.

ولو افترضنا جدلاً، وهو ما لن يحصل، أن السعودية ومصر والإمارات والبحرين عادت اليوم عن قرار المقاطعة، فيكفيهم أنهم وضعوا النظام القطري الحالي تحت عدسة المراقبة الدولية، لكن للأسف لن تستطيع قطر أن تعود إلى حالها السابق، فقد اتخذت موقفاً دفاعياً وهجومياً مبالغاً فيه، أثر بشكل مباشر على سيادتها، وسيبقى أثر رد الفعل هذا تهديداً مباشراً على مستقبلها.


لنتذكر أن المقاطعة لا تزال في مراحلها الأولية، وهي تسير قدماً بخطى بطيئة لتعطي فرصة للقطريين للتراجع وإنهاء الأزمة، وكل ما قامت به هذه الدول هو غلق حدودها ومجالها الجوي، ثم إعلان قوائم لكيانات وأفراد تتهمها بالإرهاب، وهي خطوات طبيعية تتخذها أي دولة ضد من يحاول زعزعة استقرارها، مثلما تفعل الولايات المتحدة بفرض عقوبات على شخصيات وشركات إيرانية لتقويم سلوكها. لكن يبدو أن شهرين على هذه الإجراءات المرحلية كان له تأثير كبير داخل النظام القطري الذي وصل إلى حالة أشبه بالهستيريا، فبادر بعد أيام من المقاطعة باستدعاء قوات من العسكر التركي، وإنشاء قاعدة عسكرية تركية بدعوى حمايته من تدخل عسكري من دول المقاطعة، بحسب ما أعلنت الحكومة للشعب القطري.
هذه الذراع العسكرية التركية لم تأتِ لتعود، لشعور النظام بأنه مهدد من الداخل وليس من الخارج، والأتراك أنفسهم، وعلى لسان رئيس الجمهورية، أكدوا أن خروج العسكر التركي قد لا يتحقق، حتى وإن طلبت الدوحة ذلك في المستقبل. والأسوأ هو لجوء النظام في قطر إلى الاستعانة بخدمات استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وزرع عملائه داخل المجتمع القطري، بين الشخصيات النافذة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى نشرهم بين أبناء الأسرة الحاكمة من آل ثاني، بهدف التجسس على الجبهة المعارضة للنظام، التي أبدت احتجاجاً على سلوكه.
النظام الحاكم في قطر حاصر القطريين في الداخل، من خلال الإيرانيين، ليحكم قبضته على أي تحرك داخلي مناوئ لسلوك النظام وتجاوزاته، ليتفرغ بدوره للتحرك الخارجي الدبلوماسي والسياسي ضد المقاطعة الرباعية. إنها حالة يمكن وصفها بنوبة من الهلع هزت أركان النظام، وتنبئ بمستقبل مجهول ينتظر الدوحة. وبنظرة سريعة للأطياف المختلطة داخل قطر، فهي اليوم تعد بؤرة تجمع للإرهابيين المدانين من قبل دولهم بأدلة تثبت تورطهم في تمويل الإرهاب من جنسيات مختلفة عربية وغير عربية، إضافة للإيرانيين الذين إن دخلوا قرية دمروها، وعادة لا يخرجون منها، كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا. كيف تستطيع قطر في المستقبل معالجة مثل هذه الخطوات التي مشتها في نفق مظلم؟


دولة قطر محدودة المساحة والسكان، محيطها الجغرافي هو شريان حياتها، كان الحلم المتاح الكبير أن تكون قطر مثل تايوان، بلد صغير مزدهر يغزو العالم باقتصاده الفاعل، لكن النظام الذي يحكم منذ عشرين عاماً اتخذ سبيلاً لغزو العالم بالهاربين من القانون، وجماعات الإسلام المتشدد، متخيلاً أنه بذلك يبني قوة تحاكي الدول العربية الكبرى، وكل ما تحصلت عليه، كما نرى اليوم، أنها تتجه لتصبح أسوأ من لبنان، وأقرب إلى سوريا، حيث تتجمع داخلها قوى عسكرية واستخباراتية، وجنسيات مختلفة نفعية انتهازية، لن تقبل بالتراجع عن الارتزاق. حتى تركيا التي تفاخر قطر بأنها حليفتها لم يأتِ عسكرها بالمجان، بل تنفق عليه الدوحة يومياً ما يقارب مليون دولار، رواتب للجنود مقابل إقامتهم، وليس عملهم العسكري، وتشتري بضائعها الاستهلاكية من تركيا مقابل سعر منخفض من الغاز القطري، وكذلك تفعل مع إيران. كل هؤلاء سيكلفون الموازنة القطرية أكثر مما تكلفها المقاطعة، وقد أبلغوا الدوحة بكل جرأة أن الريال القطري لم يعد أهلاً للثقة نتيجة تذبذب قيمته، وتوقعات الوكالات الدولية بغموض مستقبله المتوسط إلى البعيد، وطالبوها بأن تستورد بضائعها منهم بالدولار الأميركي. رغم ذلك، لا تزال الدوحة تشعر بأن مطالبة الدول الأربع لها بوقف تمويل الإرهاب، وتحجيم علاقتها بإيران، وغلق القاعدة التركية، تعدياً على سيادتها.


من المؤسف أن نسمع من حكومة قطر قرارها حرمان القطريين من التسجيل للقدوم لأداء فريضة الحج، في الوقت الذي تستقبل فيه المملكة العربية السعودية أول دفعة حجيج إيرانيين! تجربة مرت بها إيران وفشلت قبل عام واحد، وتكررها اليوم قطر بإيعاز من طهران. هذه السيادة القطرية التي تتآكل ستفضي إلى رفع يد النظام القطري عن التحكم بقراراته، وسيجد نفسه تابعاً وخادماً لما يحقق مصالح دول تعاني من ضائقة اقتصادية. وكل الجداريات التي تحمل ولاء للنظام في شوارع الدوحة، والتي علقتها الجاليات الإيرانية والموريتانية والهندية والباكستانية والسيرلانكية، لن تحمي النظام من السقوط في براثن الإرهاب الذي يتوقع أن تكون الدوحة ضحيته خلال الأعوام المقبلة، فهذه الطفيليات التي يقوم النظام بتمكينها وتسمينها بأموال الغاز الطبيعي ستقفز فوق هذه الجداريات، وهي من سيتسبب بتآكل سيادة نظام الحكم على الأرض القطرية. إنه واقع مخيف وضعت قطر نفسها فيه دون تفكير في عواقبه الوخيمة.