سطام المقرن

أرى أن تكون استراتيجية مركز الحرب الفكرية تتمثل في فهم الدين بما يتناسب مع فهم الإنسان المعاصر عن العالم والبشرية، وذلك من خلال تنقيح ونقد الموروث الديني

أنشأت وزارة الدفاع السعودية مركزا متخصصا لمكافحة الإرهاب فكريا باسم «مركز الحرب الفكرية»، ويهدف هذا المركز إلى مواجهة «جذور التطرف والإرهاب المنسوبة إلى الإسلام ومحاربتها، وترسيخ المفاهيم الصحيحة للإسلام، وذلك من خلال عدة لغات»، عن طريق رفع مستوى الوعي العام بحقيقة الإسلام، وتعزيز المناعة الفكرية للفئات المستهدفة من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتفويت الفرصة على التطرف والإرهاب «وقائياً وعلاجياً»، بالإضافة إلى «دعم الصورة الذهنية الإيجابية عن دين الإسلام وإيضاح قيمه الرفيعة».
وقد انطلقت رسائل مركز الحرب الفكرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت تتضمن تفنيداً لأقاويل وخطب المغرر بهم، من عناصر تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، والرد على الشبهات التي أثاروها، ومن ذلك على سبيل المثال تصحيح مفاهيم خاطئة عن «الولاء والبراء، والجهاد، والدعوة، ودار الإسلام»، ويقول المركز عبر سلسلة تغريدات على «تويتر» عن مفهوم البراءة ما نصه: «يعني عدم التصديق بعقيدة المخالف ما يعني البراءة من القناعة بها والمخالف يرى الرأي نفسه فيمن يخالفه وإلا كان أتباع الأديان على عقيدة واحدة».
وعلى هذا الأساس، فإن ذلك المفهوم للبراءة حسب رأي المركز «جعل الإسلام متعايشاً مع غيره بمنتهى الإنسانية والتحضر، فقد حث المسلمين على البر بالجميع والإحسان إليهم.. بل دعا الإسلام إلى الرحمة والإحسان بكل كبدٍ رطبة، من إنسان أو حيوان، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أجر).. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم لكل جنازة فقام لجنازة المسلم وغيره وبرّر ذلك بقوله: (أليست نفساً) أي: «نفس إنسانية» وقد كرّم الله بني آدم.. بل بلغت مرونة العلاقة والتقارب الإنساني إلى إباحة زواج المسلم بالكتابية أياً كان دينها..».
والمفهوم السابق لمعنى «البراءة» حسب رأي مركز الحرب الفكرية رغم وجاهته المنطقية على وجه من الوجوه، إلا أنه يختلف عن المفهوم السائد في الخطاب الديني وكذلك في المقررات التعليمية، فمعنى البراء شرعًا في الخطاب الديني هو: بُغْضُ الطواغيت التي تُعبَدُ من دون الله تعالى (من الأصنام الماديّة والمعنويّة: كالأهواء والآراء)، وبُغْضُ الكفر (بجميع ملله) وأتباعِه الكافرين، ومعاداة ذلك كُلِّه، ويترتب على هذا المفهوم في رأي رجال الدين ما يلي:
لا يجوز أن نبدأ الكافر بالسلام ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام..». رواه مسلم (2167)، وعدم مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، وعدم الإقامة في بلادهم، أو السفر إليها لغرض النزهة ومتعة النفس، وعدم اتخاذ الكافرين بطانة وأصدقاء وأولياء، وليس هذا وحسب، بل يستشهد بعضهم على صور البراء ويقول «قد ضرب الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ والسلف الصالحون صورا من أروع الصور في الولاء والبراء؛ صيانة لجناب التوحيد وإعلاء من كلمة «لا إله إلا الله» ومن ذلك: قصة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وقتله أبيه»!.
وبناءً على ما سبق، لا أعلم كيف يجتمع في قلب مؤمن الرحمة والسلام والإنسانية وفي نفس الوقت البغض والكراهية من أجل المعتقد؟، قد يقول البعض في مفهوم الولاء والبراء أنه «ليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقلبك، ولا يكونوا أصحابا لك، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم»، وأقول: أين هي المحبة والإنسانية في مثل هذا الكلام؟، وهل يتوافق هذا الكلام أيضاً مع المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان؟.
هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تكرر الطلب من قريش أن تقبل بالتعايش السلمي مع المسلمين، واحترام حرية اختيار الشخص لدينه ومعتقده ونيله لحقوقه المادية والمعنوية وخاصةً في مطالبهم بالمساواة والعدل بين الأسياد والعبيد، ولكن قريشاً لم تقبل ذلك وناصبت المسلمين العداء والحرب في سبيل القضاء عليهم، فكان مفهوم الولاء والبراء على هذا الأساس، والإسلام يحكم العلاقات بين الناس بغض النظر عن معتقداتهم أو أديانهم والمتمثلة في العدل في التعامل الإنساني والتواصل والإحسان من غير تفاخر أو تكبر أو تفضل، وهذا هو عمل المؤمن الصالح الذي يهدف إلى إشاعة الألفة والتواد والرحمة بين جميع الناس مهما كانت ألوانهم وأعراقهم ومعتقداتهم، والإقصاء والكراهية هما من شيم الكفار والمجرمين. 
لاشك أن هناك ضرورة إلى تجديد الخطاب الديني السائد، وذلك لمواجهة الفكر الإرهابي المتطرف، حيث تستند المنظمات الإرهابية في عملية تجنيد الشباب والتغرير بهم، وتوفير مصادر التمويل واستغلال العاطفة الدينية، وتبرير عملياتها الإجرامية إلى تلك المفاهيم الموجودة في ذلك الخطاب!. 
ومما سبق أرى أن تكون استراتيجية مركز الحرب الفكرية تتمثل في فهم الدين بما يتناسب مع فهم الإنسان المعاصر عن العالم والبشرية، وذلك من خلال تنقيح ونقد الموروث الديني، والبحث عن إجابة لأسئلة الإنسان الحديث من النصوص الدينية، ودراسة ونقد ما طرحه القدماء من أحكام فقهية وفتاوى، وبعبارة أخرى يكون التجديد من خلال التحرّك برؤية جديدة لفهم النصوص الدينية وفق معطيات الحضارة الحديثة.
فمن خلال تلك الرؤية الجديدة نستطيع محاربة الفكر الإرهابي وتجفيف منابعه من خلال تعميم هذه الرؤية في المدارس والجامعات وكافة الوسائل الإعلامية الحديثة والتقليدية، وكذلك في وسائل الخطاب الديني عموماً، لكن يبقى التعليم هو النواة الحقيقية لاجتثاث جذور الإرهاب من أساسه، وحماية الشباب من اللحاق بالمنظمات الإرهابية.