أحمد عسيري

 هناك محاولات تدميرية لتحطيم القيم الرمزية في تاريخ العرب والمسلمين، من خلال التفتيش داخل الإخباريات والمرويات وسجلات المجتمعات، بدعوى أنه ليس هناك تاريخ بلا أبطال، ولكن هناك أبطال بلا تاريخ. 

ولهذا يسعى البعض من هؤلاء المشككين إلى تفكيك ونزع القشرة السميكة، على حد تعبيرهم عن هذا التاريخ المختلق والزائف والأسطوري، وإخضاعه لعلم «الأنثروبولوجيا» أولا، ثم وضعه تحت مقصلة «الميثولوجيا» ثانيا، للتأكيد على خرافيته، وهذا نموذج لواحدة من تلك المعارك والجدليات الساخنة بين المفكرين العرب. 

حين سعى الدكتور «محمود إسماعيل» لإسقاط رمز فكري من رموز عظماء الحضارة الكونية، وإظهاره كلص وسارق، وإنكاره لمنهج «ابن خلدون» وما عرف عند «العرب» بالمقدمة، وعند «الغرب» بعلم العمران البشري، يذكر محمود إسماعيل ضمن مزاعمه وافتراءاته، أن ابن خلدون سرق مقدمته من «إخوان الصفا» بدعوى أن «المقدمة» بعمقها وإحاطتها لا تتناسب ولا تتفق مع العصر الذي عاش فيه ابن خلدون، الذي أطلق عليه هو نفسه «عصر الانحطاط». كما أومأ إليهم أي «إخوان الصفا» في نص مهم تحت اسم «أهل البدع». 

وأشار إلى آرائهم في الألوهيات، واقتباسه لبعض رسائلهم في مواضع متعددة من المقدمة، تحت عناوين مضللة، أخذ عنهم معظم المصطلحات والتي أصبحت تنسب إليه مثل الوازع، مستقر العادة، المعاش، العمران، البداوة، ونقل عنهم الكثير من أسماء بعض العلوم، التي كانت قد اندثرت في عصره مثل «من القوة إلى العقل» «الهيولى» «العقل الروحاني»،. 

وقد رد كثير من المفكرين والباحثين العرب، والمستشرقين، والأكاديميين على تطاول إسماعيل، واتهموه بالجهل بالتاريخ والتراث والزعم بالانتحالات الموهومة، بل هي مجرد كلام «غفل» يدل على انحطاط الوعي، وفقدان المنهج والاستدلال المنطقي، والتلفيق الساذج، والشطحات الجدلية، والنزوع نحو منهجية «هدم الهدم»، وافتقاره إلى الحس التاريخي، وقد جاءت أغلب الردود المفندة لأطروحته من المغرب العربي، وسورية، ولبنان، العراق، بعيدة عن منطق التشنج، والشجار المسعور، والحوار المراهق، والانفعال الهزلي، مؤسسة على العلم والمنطق والقرائن والحجج، من علماء الأدب واللغة والاجتماع والفلسفة، مما كشف عورات الباحث وضعف براهينه. 

يقول الدكتور خالد زيادة: «لو طبقنا منهج محمود إسماعيل، لأصبح سبينوزا سارق أوغسطين، وهيجل عالة على هيرقليطس، وديكارت أخذ شكه من الغزالي، ودانتي استعار جحيمه من المعري، وعلى هذا النحو يضيع العلم في متاهة الاكتشافات الساذجة»، ويقول قصي حسين: لقد طالعنا طه حسن بتهم منها أن الشعر الجاهلي منحول ومزور، المتنبي سارق شعر لا أكثر ولا أقل، وها هو ابن خلدون ضحية لمحمود إسماعيل وأشباهه.