غياث الحاج

يتساءل كثير من الدعاة عن الأسباب الحقيقية التي عصفت بحزب الدعوة الإسلامية منذ سنة 2014 والى الان؟، وهل يمكن تنقية الأجواء الداخلية وإنهاء الأزمة التي أربكت قرار الحزب، بل وساهمت في إرباك الساحة السياسية، “العراقية” و”الشيعية”؟

هذه التساؤلات تكشف عن نيّات صادقة عند الدعاة الذين يشاهدون حزبهم التاريخي يمر بأخطر منعطف في سنينه الأخيرة، خصوصا وان الدعوة مقبل على استحقاقات انتخابية، فيما العراق يمر بمنعطفات تاريخية بعد هزيمة قوى الإرهاب المتمثّلة بداعش ومن لفّ لفّه، وانحسار “دواعش” السياسة وهزيمة مشاريعهم التقسيمية.

من الضروري أن يعرف الدعاة اليوم، خلفيات الأزمة الراهنة داخل مركز “القرار الدعوتي” لكي يكون الدعاة هم أصحاب القرار في تحديد بوصلة حزبهم.

لقد مرّ قطار “الخلاف” بين نوري المالكي، وبين القيادة بمحطات عديدة:

المحطة الأولى:

لاحظ الدعوة ابتعاد المالكي عن الحزب في ولايته الثانية وذلك من خلال مجموعة من الممارسات التي اتخذها في تلك الحقبة:

– تعيين ابنه احمد نائبا لمدير المكتب وإعطاؤه صلاحيات واسعة.

– تقريب بعض الوجوه “غير الملتزمة” وتوسيع صلاحياتها مثل حنان الفتلاوي التي كانت لها صلاحيات خاصة.

– تقريب أصهار المالكي، عبر الضغط على اللجنة الانتخابية في قائمة دولة القانون.

ومع كل ذلك كانت الأزمة تحت السيطرة وكانت القيادة تُمارس النقد الإيجابي للمالكي لممارساته السلبية في ادارة الدولة.

المحطة الثانية:

ما بعد الانتخابات، وقصة الرسالة:

بعد سقوط الموصل وباقي المناطق الغربية، شهدت الساحة السياسية العراقية إرباكا واضحا، وتعقّدت مسارات الولاية الثالثة للمالكي، الأمر الذي دفع بمقترح إرسال رسالة للمرجعية خلال اجتماع قيادي حضره المالكي.

وافق السيد المالكي على ذلك المقترح وأرسِلت الرسالة الى المرجعية، لكن المالكي أصر على انه “لم يطلع على مضمون الرسالة”، فيما طرف القيادة يصر على ان الرسالة سُلّمت اليه، وبقيت عنده ثلاثة أيام، وبعد ذلك أرسِلت الى النجف.

المحطة الثالثة:

جواب المرجعية

بعد مرور ثلاثة أسابيع من إرسال الرسالة، جاء جواب المرجعية “واضحا” في ضرورة تغيير مرشح الدعوة الى مرشح آخر، لتتخذ القيادة، القرار في الاستجابة لقرار المرجعية، ما تسبب في الخلاف مع المالكي، الذي برّر موقفه بان الأمر “ليس من شأن المرجعية”، لأنها لا تتدخل في مثل هكذا تفاصيل .

غير ان القيادة كانت ترى ان من واجبها “شرعا”، الاستجابة لقرار المرجعية، وان مخالفة المرجعية سيضر بالدعوة ويحوّل الدعوة الى حركة “مجاهدي خلق” ثانية في الوسط الشيعي .

المحطة الرابعة:

رئاسة الوزراء للعبادي

باتت القيادة تحت ضغوط هائلة من كل الأطراف الداخلية والخارجية لحسم موقفها من المرشح الجديد فتم ترشيح العبادي، ولكن المالكي كان مصرا على أحقيته في الترشيح، وحَسَمت القيادة موقفها بترشيح العبادي.

المحطة الخامسة:

السنة الأولى لرئاسة العبادي

تأزّمت العلاقة بين المالكي وبين القيادة؛ فالمالكي كان يتّهم أعضاء القيادة بالمؤامرة ضده والانقلاب عليه، لعدم وقوفهم معه وقبولهم ترشيح العبادي.

وتدخلت أطراف متعددة كالشيخ الآصفي والسيد الغريفي لحل الخلاف بين الطرفين، لكن كل تلك الجهود فشلت، وكانت عوامل الفشل كثيرة ومتعددة.

المحطة السادسة:

جبهة الإصلاح

تبنّى المالكي “جبهة الإصلاح” والتي كانت تهدف بحسب بياناتها المعلنة الى إسقاط الحكومة والبرلمان، ما عمّق الأزمة بين المالكي والقيادة.

المحطة السابعة:

التحضير للانتخابات

بدأ المالكي بفتح مقرات لدولة القانون الانتخابية وتجميع الاسماء دون الرجوع الى القيادة، حتى انه أعلن في لقاء متلفز انه هو المسؤول عن قائمته وهذا يعني استبعادا واضحا للقيادة في تنظيم القائمة الانتخابية.

المحطة الثامنة:

الانتخابات وما بعدها

بات يقينا ان المالكي يختلف مع القيادة في الانتخابات في عدة أمور: تحالفات ما قبل الانتخابات، المرشحون، مشروع الأغلبية السياسية، التحالفات مع الانتخابات.

بعد هذا السرد التاريخي، صار لزاما الاعتراف بان الخلاف عميق بين المالكي والقيادة، ولا يمكن اختزاله في صورة “خلاف شخصي” بين العبادي والمالكي، وإنما هو “اختلاف جوهري” بسبب عوامل سياسية وتاريخية.

ما العمل؟

الحل الأول:

ما يردده بعض الدعاة وهو التمنيات بانتهاء الخلاف ورجوع الوضع الى سابق عهده، مع الاعتقاد بان هذا الخلاف العميق، لا يمكن حله بواسطة “التمنيات” وإنْ كانت الأمنيات، صادقة وبريئة.

الحل الثاني:

تنازل القيادة عن رؤيتها للسيد المالكي. هذا الحل يتعارض مع منطق الواقع وما فرضته الانتصارات التي حققها السيد العبادي.

الحل الثالث:

تنازل المالكي وقبوله بمنطق النظام الداخلي، لكن هذا الحل لا ينسجم مع أداء المالكي ما بعد 2014.

الحل الرابع:

خروج احد الطرفين من الدعوة، وهذا يعني انشقاق واضح يُضعف الدعوة.

الحل الخامس:

الذهاب الى المؤتمر والقبول بنتائجه، لكي يكون الدعاة هم “الحَكَم” في تحديد بوصلة الحزب.