هادي اليامي

طرفا الانقلاب يعيشان أيامهما الأخيرة، وسيضطران إلى الانسحاب نهائيا، في حال استمرار العمليات العسكرية، فالخلافات تعصف بهما، ووصلت حد الاغتيالات لقادة الجانبين

رغم الإشارات المتفائلة التي يطلقها المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بإمكان استئناف مفاوضات التوصل إلى حل للأزمة، بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين وحليفهم المخلوع، علي عبدالله صالح، وإعلانه قرب انطلاق المفاوضات، إلا أن حالة التشاؤم تبقى هي الأكثر على المشهد السياسي. 
فكل السوابق الماضية تؤكد أن الانقلابيين لا يهدفون إلا إلى التقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم الصفوف، عقب الهزائم الأخيرة التي مُنيت بها قواتهم، والضربات الموجعة التي وجّهها إليهم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بدعم وإسناد قوي من طائرات التحالف العربي لاستعادة الشرعية، وأنهم لم يوافقوا على المشاركة في تلك المفاوضات، إلا لممارسة عادتهم القديمة في المماطلة والتسويف وشراء الوقت، لتعويض خسائرهم. لسنا في معرض الرجم بالغيب أو استباق الأحداث، لكن الحصافة والكياسة تتطلبان تحليل المواقف، وقراءة الأسباب الحقيقية التي دفعت المتمردين إلى اتخاذ هذا الموقف الذي أحجموا كثيرا في السابق عن اتخاذه، رغم كثرة المحاولات الدولية، حتى يمكن اتخاذ القرارات على رَويّة وتبصّر. 
فالسوابق تؤكد أن طرفي الانقلاب لا يريدان سوى استمرار الأزمة، ومحاولة استنزاف قوات التحالف ودوله، وخلال هذه الفترة يعمدان إلى استدرار عطف العالم، عبر ترديد مزاعم فارغة وكاذبة عن استهداف طائرات التحالف المدنيين والأطفال، والظهور بمظهر المظلوم، سعيا إلى اكتساب شرعية زائفة، وجرّ منظمات المجتمع المدني إلى التعامل معهم والقبول بهم كسلطة أمر واقع. التغير الأخير الذي أظهره طرفا الانقلاب، يشير إلى حقيقة واحدة، ظللنا نرددها كثيرا ونعيدها، وهي أن أسلوب الضغط العسكري هو الوحيد الذي يرغم الانقلابيين على القبول بالحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وأن توقف الضغط العسكري يغريهم بالنكوص والعودة إلى ممارسة السياسات القديمة نفسها، والمتابع لمجريات الأحداث في اليمن يجد أن التقدم الأخير الذي أحدثته قوات الشرعية في تعز والمخا، واستعادتها معسكر خالد بن الوليد، واقترابها السريع من استعادة ميناء الحديدة الإستراتيجي، والضربات التي وجهتها مقاتلات التحالف العربي، وتصفيتها كثيرا من قادة التمرد الميدانيين، دفع المتمردين إلى البحث عن سبيل لوقف العمليات العسكرية حتى حين، لا سيما مع تناقص كميات السلاح التي تهربها لهم إيران، نتيجة تشديد المراقبة من قوات التحالف والقوى الدولية المنتشرة في المياه الإقليمية. لذلك، من الأهمية بمكان تواصُل العمليات العسكرية لقوات الشرعية، وتسريع وتيرتها، وفتح جبهات جديدة ضد الانقلابيين، حتى وإن بدأت المفاوضات، ذلك أن أي إبطاء أو إيقاف لها يعيد الأمور إلى نقطة البداية من جديد، لأنه -كما أشرنا- يحقق للحوثيين وأتباعهم ما يهدفون إلى تحقيقه، ويتيح لهم تجنيد مزيد من المرتزقة. وإن كانت القوات الموالية للشرعية أحجمت خلال الفترة الماضية عن شن معركة استعادة الحديدة، استجابة لاعتبارات إنسانية أوردها ولد الشيخ، لضمان وصول المساعدات الإنسانية، فإن ذلك تجاوزته الأحداث، لا سيما بعد تعنت الانقلابيين، ورفضهم السماح بدخول مواد الإغاثة، واستغلال الميناء لتهريب الأسلحة. 
تحقيق السلام يستلزم الاستمرار في ممارسة الضغط العسكري، ومواصلة الاستعدادات الجادة لمعركة الحديدة تحديدا، لأن استعادة الميناء الإستراتيجي يعني عمليا خنق الإرهابيين، وحصار صنعاء، ومنع وصول أي إمدادات من الخارج، ومواصلة التقدم العسكري يدفعهم إلى الإذعان لإرادة المجتمع الدولي، والقبول بالانسحاب والعودة إلى جحورهم التي كانوا فيها قبل بدء انقلابهم المشؤوم.
اليمن يمر بأوضاع استثنائية، والأزمة الإنسانية فيه بلغت مستوى غير مسبوق، من تفش لوباء الكوليرا، وانهيار في الخدمات الطبية كافة، وانتشار الفقر، إضافة إلى شبح المجاعة الذي يهدد حياة ملايين المدنيين، وإذا لم يسارع المجتمع الدولي إلى إيجاد حلول جذرية للأزمة، تقضي بعودة الحكومة الشرعية، وزوال سلطة الانقلاب، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، فإن الوضع سيخرج عن السيطرة، وسيشهد العالم أكبر مأساة في العصر الحديث. ومن المفارقات، أنه في الوقت الذي تفتك فيه الأوبئة بالمدنيين، ويموت الأطفال جراء سوء التغذية، يزداد تعنت الإرهابيين ومنعهم قوافل المساعدات الغذائية والدوائية من الدخول، لسبب بسيط هو رغبتهم في استمرار حالة الضعف التي يمر بها اليمن، حتى تسهل لهم السيطرة عليه، والمؤسف أن المجتمع الدولي يكتفي بالبقاء في موقف المتفرج، دون اتخاذ قرارات قوية لردعهم.
ومع التسليم بحسن نية المبعوث الدولي، وتقدير الجهود المخلصة التي يبذلها لإنهاء الصراع، إلا أن حسن النية لا يكفي وحده لحل المشكلة، لذلك فإنه مطالب هو الآخر برفع العصا قبل مد الجزرة، والتلويح بسيف العقوبات الدولية، واستخدام الأدوات التي يملكها لإرغام الانقلابيين على الكف عن تضييع الزمن، والانخراط في مفاوضات جادة لإنهاء الأزمة، وهي أدوات كثيرة، من أهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي يخول المجلس اتخاذ قرار بالتدخل تحت البند السابع من ميثاق المنظمة الدولية، والذي يجيز استخدام القوة، كما أن على ولد الشيخ الاستفادة من التجارب السابقة، وعدم إتاحة الفرصة للمتمردين لممارسة التسويف وإضاعة الزمن. وعلى المجتمع الدولي، والدول الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، تقديم الدعم لوفد الوساطة الأممية، وإرسال إشارات واضحة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال استمرار الأزمة.
بقي القول: إن طرفي الانقلاب في أضعف حالاتهما، وإنهما يعيشان أيامهما الأخيرة، وسيضطران إلى الانزواء والانسحاب نهائيا، في حال استمرار العمليات العسكرية، فالخلافات تعصف بهما، ووصلت حد الاغتيالات والاختطافات لقادة الجانبين، لذلك لا ينبغي إضاعة هذه الفرصة والعودة إلى المربع الأول، وإذا تقدمت قوات المقاومة الشعبية وعناصر الجيش الوطني نحو صنعاء لاستعادتها، فستكتشف أن المتمردين ليسوا سوى أكذوبة كبيرة، حاولت دوائر معادية تضخيم قوتها، وترهيب الآخرين بها، وسيتسابق سكان العاصمة إلى الانضمام إلى صفوف الثوار، ويسهمون في استعادة بلادهم، وتخليصها من الكابوس الذي جثم على صدرها قرابة 3 سنوات شهدت ما لم يكن مواطن اليمن السعيد يتوقع أن تشهده بلاده، ممن ارتضوا العمالة، واختاروا أن يكونوا مجرد أدوات لتنفيذ مآرب أعداء بلادهم، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة التفكير في عواقب ما يقترفونه.