بهجت قرني

 «صفقة القرن» الكروية مع انتقال نيمار الأسبوع الماضي من نادي برشلونة إلى «باريس سان جيرمان» تقدر بـ 800 مليون دولار، وهي أموال قطرية. هل هناك عائد اقتصادي منطقي أم أن المجال الكروي كما قال الجنرال كلاوزفتر عن الحرب - هو ممارسة السياسة بوسائل أخرى؟ اكتظت أجهزة الإعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي «بصفقة القرن»، وهي تختلف عن «صفقة القرن» السابقة منذ ثلاثة شهور عندما زار ترامب السعودية وأبرم عدة اتفاقيات في مجال التسليح والمجال الاقتصادي تصل إلى 15 مليار دولار.

«صفقة القرن» في الأسبوع الماضي كانت في مجال آخر، هو المجال الرياضي وتتعلّق بشراء نجم الكرة البرازيلي نيمار وانتقاله من نادي برشلونة إلى نادي باريس سان جرمان. «صفقة القرن» هذه تعتبر في المجال الرياضي من أضخم الصفقات، بحيث يتساءل البعض عما إذا كان يستحق أي لاعب كرة - حتى ولو كان نجماً متألقاً مثل نيمار - مثل هذه المبالغ الطائلة، والتي تسجل رقماً قياسياً جديداً لشراء الرياضيين.

أهمية هذا التساؤل بالنسبة لمنطقة الخليج هو أن المالك الحالي لنادي باريس سان جرمان، والذي قام بتمويل هذه الصفقة الاستثنائية هي دولة قطر وصناديقها السيادية.

عندما تشاهد قنوات التليفزيون الفرنسي - بما فيها القنوات الرسمية، فإنك تشعر بالدهشة لهذا الاستقبال الشعبي للنجم البرازيلي، وذلك منذ وصوله الأراضي الفرنسية وحتى وصوله ناديه الجديد. تقول التقديرات إن عدد المستقبلين لا يقل عن 45 ألف نسمة، ولعلّ هذا يذكرنا باستقبال القادة العسكريين بعد عودتهم من حرب طويلة الأمد ومكللين بالنصر - مع الفارق بالطبع. في بعض شوارع باريس ترى الصفوف الطويلة من الناس المنتظرين دورهم لعدة ساعات لشراء قميص النادي بعد إضافة اسم نيمار بتكلفة 155 يورو، وفي ثلاث ساعات فقط تم بيع أكثر من 8 آلاف قميص - أي بحصيلة مليون و240 ألف يورو.

هل يستحق هذا القميص أو T-SHIRT كل هذه المبالغ؟ أم أن هناك تجييشا إعلاميا قام بتعبئة العديد لكي يصبحوا هكذا مهووسين! من الناحية المالية البحتة، يركز الإعلام على الشرط الجزائي أي 220 مليون يورو أو 260 مليون دولار الذي دفعها نادي باريس سان جرمان لبرشلونة. وفي الواقع عندما تعاقد نيمار مع برشلونة، قام هذا النادي بالنص على شرط جزائي مرتفع القيمة جداً ليكون رادعاً عن فسخ العقد.

ولكن نادي «سان جرمان» - أي قطر - لم يهمه هذا العائق. هناك أيضاًَ رسمياً 30 مليون يورو - أو ما يقرب من 34 مليون دولار - وهو أجر نيمار السنوي - ويبدو أنه أقل من الحقيقي. بل لم يتكلم الإعلام كثيراً عن بعض النفقات الهائلة الأخرى - بما فيها ضرائب للحكومة الإسبانية، وكذلك للحكومة الفرنسية - والتي تجعل من هذه الصفقة القياسية تقترب من 800 مليون دولار.

وهذا هو مربط الفرس، كما يقال: هل يستحق نيمار - أو أي لاعب آخر - أن تصرف دولة صغيرة كل هذه المبالغ، خاصة في وقت عصيب يمر به اقتصادها؟ هل يبرر شراء القوة الناعمة والظهور الإعلامي «صفقة القرن» هذه؟ يتكلم الاقتصاديون في مجال النفقات والاستثمار عما يسمى «الفرص البديلة»، بمعنى العائد المتوقع لو تم صرف هذه الأموال في مجالات أخرى؟ ألا يوجد في قطر نفسها وفي المنطقة العربية احتياجات أهم وعائد أكبر لاستثمار هكذا - حتى نصف هذا المبلغ - بدلاً من إنفاقه على فرد واحد، حتى ولو كان نجماً كروياً؟!