عصام نعمان

القرار باقتلاع «داعش» من حدود لبنان الشرقية اتخذه المجلس الأعلى للدفاع الوطني، ولا تراجع عنه. الواقع أن شعب لبنان سبق الحكومة إلى اتخاذ قرار الاقتلاع في إجماع أو شبه إجماع. العمليات العسكرية بدأت من دون إعلان. ليس ثمة ساعة صفر لفتح النار، ذلك أن النار كانت دائماً مفتوحة ولو بشكل متقطع.


قبل قرار المجلس الأعلى للدفاع، كان ثمة جدل: هل ينسّق الجيش اللبناني مع الجيش السوري في المعركة ضد «داعش» أم يتولاها وحده دونما تنسيق؟ 
بعض المسؤولين عارض التنسيق مع سوريا بدعوى أن الحكومة تلتزم سياسة النأي بالنفس عما يجري من صراع بين النظام وأطراف المعارضة السورية. والبعض الآخر رفض هذه الحجة لأن موضوع المعركة هو مقاتلة «داعش» وليس الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتصارعة. إلى ذلك، فإن الضرورات العملانية تفرض على لبنان وسوريا أن يقاتلا«داعش» معاً ليس لأنه يهدد البلدين التوأمين معاً فحسب، بل أيضاً من أجل حمله على توزيع قواه على كِلتا الجبهتين من الشرق والغرب، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف مجهوده الحربي والتعجيل في دحره.
القرار النهائي المعلن هو مسؤولية الجيش اللبناني عن مواجهة «داعش»، سواء عاونه آخرون متضررون من وجود التنظيم الإرهابي أو من دون عونهم. القرار غير المعلن ترك المسألة برمتها لقيادة الجيش اللبناني بإعطائها هامشاً واسعاً من حرية العمل، وبالتالي اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً في ضوء الحاجات العملانية والضرورات الميدانية.
مصادر قريبة من أهل القرار السياسي كشفت أن الجيشين اللبناني والسوري محكوم عليهما بالتعاون في مواجهة العدو الواحد، إذ لا يعقل أن يقف أحدهما مكتوف اليدين عندما يبدأ العدو في الهجوم على الآخر. ذلك أن استفراد أحد الجيشين يؤدي في نهاية المطاف إلى التركيز على الآخر للنيل منه في ظروف قتالية أفضل، وقد يؤدي إلى إخراجه من حومة الصراع.
التعاون الميداني بين الجيشين حاصل، سواء تمّ بتخطيط مسبق أو بتنسيق لاحق لاشتداد القتال على جانبي الحدود. 
مع ذلك يبقى التنسيق صعباً؛ لأن جهتين نافذتين ترفضانه بلا كلل: الولايات المتحدة، وفريق من قوى 14 آذار المناوئ لسوريا.
الولايات المتحدة تعتبر حزب الله تنظيماً إرهابياً وتعاديه مثلما تعادي «داعش» وربما أكثر، وهي بالتالي تفضّل إبعاده عن مسرح المعارك لئلا يترسمل على انتصاره فيها، ما يساعده على دحض صفة الإرهاب التي تريد إلصاقها به. بعض أطراف قوى 14 آذار تريد إبعاد حزب الله والجيش السوري عن دعم الجيش اللبناني لاعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية، وحرص هؤلاء على عدم تمكين الحزب من تسجيل نقاط لصالحه تعزز سمعته ومصالحه السياسية داخل البلاد.
اللافت في الوقت الحاضر أن المسؤولين اللبنانيين غير مستعدين لتأجيل المعركة ضد «داعش». ما تمليه مصالح البلاد والعباد يتقدّم بالتأكيد على ما عدا ذلك من أمور ومماحكات سياسية داخلية.
إلى ذلك كله، فإن قيادة الجيش اللبناني (ومَن يشاطرها الرأي من السياسيين) واثقة بأن انتصار الجيش المرتقب على «داعش» سيكون له من الدويّ والاستحسان ما يطغى على أية محاولة يبذلها آخرون لتوظيف الانتصار في غير مصلحة الدولة. لذلك تركّز قيادة الجيش ومريدوها من المسؤولين على توفير الظروف والوسائل اللازمة لتأمين انتصار الجيش في المعارك المرتقبة بأقل كلفة بشرية ومادية ممكنة.