الإسلام ومواجهة التحولات الجذرية لثقافته التوحيدية ...!

علي بن حمد الخشيبان

المظاهر الثقافية القادمة للأجيال الجديدة سوف تفرض تحولات جذرية لعملية الموازنة الدينية ومدى مساهمتها في تشكيل الحياة، ولعل السبب خلف ذلك أنه لم يوجد عبر التاريخ تصنيف محدد لشكل الأبنية السياسية في دول الإسلام القديمة أو الحديثة التي نشأت على نهر الإسلام الممتد منذ أربعة عشر قرنا من الزمان..

كما يقول مكيافلي بأن الزمن والظروف اكثر قوة من الذكاء البشري، وزمن الشرق الأوسط يعيش مرحلة مختلفة وظروفاً متغيرة سوف تنتج تحولات تمس الثقافة التوحيدية للإسلام ليس في بنائها العقدي، وإنما في تشكيلها الإلزامي السياسي والثقافي، فالثقافة التوحيدية تقوم على عدم الفصل بين الطاعة المدنية والطاعة الدينية، وهذه احد الجدالات التاريخية التي انتجت هذه الثقافة الهائلة من التراث الإسلامي خلال أربعة عشر قرنا من الزمن.

وخلال هذه المرحلة الطويلة من الجدل الفكري أصبحت القضايا المدنية المستحدثة من خلال الحضارة الإنسانية تشكل عبئاً على مكونات التراث الإسلامي ولم تعد مصادر التشريع مهتمة كي تغطي كل مستحدثات البشرية، فلجأ الكثير من العلماء الى منظور الحلال والحرام للخروج من ازمة التجديد الحضاري وهذا نتيجة طبيعية لتوقف التحديث في الصياغات الفكرية المطلوبة.

لم يستطع التراث الفكري لعلماء المسلمين ان يقدم نموذجا ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا قادراً على بناء فضاء سياسي يستوعب التحولات المدنية المتسارعة، ويصنع نموذجا للشرعية يمزج بين المدني والديني، ولعل المشكلة الأكثر عمقا في هذا التاريخ الطويل تكمن في فكرة النيابة التي خلقت نموذج ولاية الفقية وهي احدى النماذج السياسية المنتشرة والمتناثرة عبر تاريخ الاسلام، ولم تكن ولاية الفقيه هي النموذج الوحيد، ولكن مهما اختلفت التسميات والتوظيف للتراث الا انها كلها تؤدي لذات النتيجة، لان الإحالة على الميتافيزيقي ليس لها سوى متطلب واحد يتمثل في ارجاع كل شيء الى مصدر فكري انتج في القرون الاولى من الإسلام ولا يقبل التعديل.

الجدل العقلاني لهذه المسألة يطرح سؤالاً مهماً يقول هل الإسلام لوحة تاريخية لونه ابيض ولكنه مخطط بالاخضر، ام الإسلام لونه اخضر ومخطط بالابيض..؟، اعتقد أن الجدل الحقيقي للأجيال القادمة سوف يدور بشكل كبير حول هذه النظرية بشكلها التاريخي، بمعنى ادق فإن الإسلام كتراث تم التوقف عن انتاجه خلال القرون الأولى، وأصبح بعد ذلك يعاد انتاج ذات التراث بطرق مختلفة خلقت تلك الجدالات حول ماهو لون الإسلام الحقيقي (اللون الأخضر ام اللون الأبيض).

النظرية السياسية الكلاسيكية التي بناها التراث الإسلامي الذي انتجه التاريخ قامت على ثلاثة مكونات: ولاية الفقية، او حماية الدين، أو نموذج الخلافة، هذه النماذج الثلاثة حصرت التحولات الفكرية في التراث الإسلامي وركزت منتجاته في العبادات والالزام من خلال تكثيف فكرة الفتاوى التي تعتمد منتجاته على قرار فاصل إما الحلال أو الحرام.

المنعطف الأكثر جدلية في القضية السياسية في الإسلام تدور حول فكرة المهدي المنتظر والذي تشبع الفكر الإسلامي على جميع مستوياته بالتعويل عليه الى حد التخمة، وهذه الفكرة موجودة لدى جميع الفئات الإسلامية سواء تلك المجموعات التي تؤمن بأن الإسلام لونه ابيض ومخطط بالاخضر او تلك الجماعات التي تؤمن بأن الإسلام اخضر ولكنه مخطط بالابيض، لقد أصبح النظام السياسي في ايران على سبيل المثال يقيم كله توازناته السياسية في إدارة الجماهير الجاهلة حول فكرة خروج المهدي وإمكاناته السحرية لتغيير التاريخ والجغرافيا والسياسية.

المظاهر الثقافية القادمة للأجيال الجديدة سوف تفرض تحولات جذرية لعملية الموازنة الدينية ومدى مساهمتها في تشكيل الحياة، ولعل السبب خلف ذلك أنه لم يوجد عبر التاريخ تصنيف محدد لشكل الأبنية السياسية في دول الإسلام القديمة أو الحديثة التي نشأت على نهر الإسلام الممتد منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، لذلك فإن المدينة الإسلامية وخلال النصف الأول من هذا القرن سوف تتشبع بالكثير من الأسئلة حول آليات ترتيب الفضاء السياسي في مجتمعات الإسلام، والنتيجة المتوقعة على المدى القريب موت جماعات الإسلام السياسي موت الأفكار غير القابلة للتصديق، تراجع كبير في فكرة الإجابات الحادة (نعم أو لا، حلال أو حرام).