التوازن المفقود في الداخل والإقليم والحاجة إلى سلام

 وسام سعادة


ثمة اختلال توازن على الصعيد الاقليمي، وانعدام توازن على الصعيد الداخلي.

فالتوازن مختلّ إقليمياً منذ انتقل العرب، في صراعهم مع اسرائيل، من حروب نظامية مختل توازن القوى فيها الى تسويات يظهر فيها هذا الاختلال بشكل اكثر نفوراً، ومنذ انقلبت فيها ايران من حال الى حال، من حليف وثيق لاسرائيل بعد حرب 67 الى عدوّ لها لا يعترف بمقال التسوية معها من اساسه، وان ابتاع منها السلاح كما ظهر من فضيحة «ايران غيت». ما كادت ايران تنتقل من هذه الحال الى تلك حتى شرعت تزايد على العرب، وتبخس ما فعلوه في حروبهم النظامية مع العدو، وليس فقط في مسارات التسوية. ساوت بين الانظمة الملكية العربية وبين نظام الشاه زاعمة لنفسها الحق في تصدير الثورة، وما لبثت ان اصطدمت جمهوريتها الاسلامية بالجمهورية البعثية في العراق، ثم بدأت تنمي علاقة تحالفية، ليس من دون جولات تصادمية «جانبية» مع البعث الاسدي في سوريا. 

التوازن الاقليمي مختل لصالح اسرائيل التي تستفرد بالفلسطينيين، وتتعاطى مع الجولان منذ اندلاع الحرب السورية كما لو انه صار خارج التفاوض تماماً، وتستهدف نقاطاً لـ «حزب الله» في سوريا والاخير ملهي بأشياء اخرى.

وهو مختل لصالح ايران، ليس لانها قدّمت بعد الثورة نظاماً سياسياً يحلم ابناء العرب بالعيش فيه، او نظاماً اقتصادياً نموذجياً ينضم الى نادي الامم الصناعية الآسيوية. ابداً. بل لانها استفادت من مأزق العرب، بين حروب نظامية أنهكتهم وبين تسوية فاقدة للاطار التأهيلي التثميري الضاغط دولياً بشكل مثابر لتحقيقها. استفادت من مأزق مشروعياتهم السياسية ومكابراتهم على تعددية مجتمعاتهم، وطفقت تتعرف على الاصولية الاسلامية كشقيقة لها رغم المخالفة في المذهب حين يتناسب الامر معها، وكنقيض لما هي عليه ثورتها الاسلامية وولاية فقيهها حين يناسبها ذلك. 

اما التوازن الداخلي فليس بمختل. بل معدوم. معدوم من دون ان تتبدل خارطة انتشار القوى والمجموعات على الارض اللبنانية. من دون ان تتبدل سمات النظام الاقتصادي والاجتماعي. من دون ان تنمط السرديات الثقافية والتربوية والتاريخية، على هوى الفرع اللبناني من الثورة الاسلامية المنطلقة من ايران. 

التوازن معدوم بين فريق مسلح تتعهد به قوة اقليمية، وبين مجموعات اخرى تكتشف تباعاً، بأن التعهدات والاشرافات، من تلك الفرنسية والبريطانية والروسية الى تلك العربية المختلفة، على مجموعات بعينها قد صار خبراً من الماضي، باستثناء علاقة «حزب الله» بايران، وبحرسها الثوري بالتحديد. 

التوازن معدوم اذا لا يمكن اصلاح الخلل فيه، ولا تعليل هذا الخلل بغياب الحكمة الاثينية او الروح القتالية الاسبارطية عن باقي المجموعات. 

في نفس الوقت، التوازن المعدوم يعوق الهيمنة الشاملة. التوازن المعدوم فيه الكثير من اللاتناسب بين القوى، لكنه يكشف ايضاً عن موازاة لا يستهان فيها، بين لبنانين، احدهما يعيش باشكال متفاوتة السيطرة الحزب اللهية كمعطى يومي، والآخر يعيشها كقلق يومي على غده. 

انعدام التوازن مؤشر في اقل تقدير الى الطابع المزمن للمشكلة. ستستهلك من عمر اجيال. ومؤشر الى حالة تلف مرشحة للازدياد ايضاً يوماً بعد يوم. في نفس الوقت، انعدام التوازن يكشف ايضاً عن اختلاف انماط استشعار المشكلة بين اللبنانيين على «اختلاف اختلافاتهم». وهذا معطى له ايجابياته وسلبياته. لا يكفي لقول كل شيء، لكنه مدخل لا يمكن اجتنابه. كيف نجسر الهوة بين الاشكال المختلفة لاستشعار حالة انعدام التوازن الداخلي؟ كيف نفهم العلاقة بين انعدام التوازن في الداخل وبين اختلال التوازن في الاقليم؟ وكيف نحدث الخرق، باعادة التقاط مفردة السلام، بالسلام الاهلي الكامل في مقابل انعدام التوازن المتزايد؟ والسلام الاقليمي بمعنى ما عاد ينحصر بالصراع العربي ـ الاسرائيلي وحده، بل بمجموعة من النزاعات التناحرية على مدار المنطقة؟ لا اجوبة فورية على هكذا اسئلة، لكن يكفي ابتداء تحديد المدخل اليها: عدم الاسترسال في الرهاب في مقابل انعدام التوازن، وإفساح المجال للتفاعل بين المقاربات المختلفة لما هو حاصل، واعادة اكتشاف مفهوم السلام، الاهلي، الدائم، فالجرأة على الكفاح تعني ايضاً، الجرأة على الدفاع عن مفهوم السلام، وليس الاختباء بثقافة اللاحرب واللاسلم في الداخل اللبناني.