خليل علي حيدر

هل المشادات والنزاعات وتبادل التهم، التي ترافق كل انتخابات إيرانية، معارك حقيقية، أم كما يعتقد الكثيرون، أقرب ما تكون للخناقات الكلامية التي ينغمس فيها أبطال المصارعة الحرة، إذ يتم تسخين الملعب وجذب الجمهور، بتبادل التهم والتهديدات، بينما طرفا الصراع متفقان على النتيجة؟
لقد تولى الرئيس «حسن روحاني» حكم الجمهورية الإسلامية في دورة ثانية، شهدت كذلك الكثير من الشد والجذب بين «المحافظين» و«الإصلاحيين»، بين حَمَلة أغصان الزيتون وحملة البنادق! وقد بدأ الرئيس روحاني فترة حكمه، بعدما صدّق المرشد «علي خامنئي» على الحكومة، وسط خلاف بين القطبين، ففيما طالب مرشد الثورة بالوقوف «بقوة وصلابة في وجه أمريكا»، قال روحاني إنه يتطلع «لمنع عزلة إيران» عبر تعامل مؤثر مع المجتمع الدولي.
تقوم إيران كما هو معروف ومعلن على النظام الجمهوري، لكنه نظام يختلف تماما عن كل الجمهوريات، إذ يتحكم بمصير الرئيس دستوريا قائد أعلى، هو مرشد الثورة الإسلامية «علي خامنئي»، الذي يعطيه الدستور نفسه حق التحكم بكل مفاصل الدولة تقريبا، من حياة مدنية وعسكرية ودينية وحتى القضائية. الكثيرون يشيدون مثلاً بوفرة الإمكانات السياحية لإيران، وما تحظى به من مدن وغابات وسواحل وأماكن مقدسة تستحق الزيارة والمشاهدة، في حين أن دخلها السياحي لا يزال محدودا جدا مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
وقد نشرت صحيفة أمريكية مقالاً، عندما وعد الرئيس روحاني بعد انتخابه عام 2013 بدعم قطاع السياحة «غير المستغل في بلده». وكان من عناوين المقال عندما ترجم في الشرق الأوسط، «إيران تسعى إلى جذب السياح الأجانب، لكن القيود الإيرانية تقف عقبة». وأوردت الصحيفة الأمريكية أمثلة أبرزها فشل جزيرة «كيش»، وهي على مقربة من دول مجلس التعاون، في اجتذاب السياح من خارج إيران، بينما يعد الرئيس روحاني ناخبيه آنذاك، بزيادة عدد السائحين الأجانب سنويا إلى أكثر من الضعف، أي إلى عشرة ملايين سائح، وتلك الزيادة، عن المستوى الحالي البالغ 4 ملايين سائح، من شأنها أن توفر فرص عمل لأربعة ملايين شخص، وأن تحل مشكلة ثلاثة ملايين ونصف مليون عاطل».
وأضافت الصحيفة أن غالبية الزائرين للجزيرة حاليا من الإيرانيين، وأشارت إلى اعتقال السواح السلوفاك جنبا إلى جنب مع مضيفهم المحلي بعد تحليقهم فوق منشأة عسكرية قبل أيام من الانتخابات الرئاسية، ويقول بعض العاملين إن أي طفرة في هذا المجال ترتبط بتسهيلات معقدة ومستبعدة. ويرى تحليل للباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، محمد محسن أبو النور، من مركز الأهرام بمصر، في مقال منشور في دورية «السياسة الدولية»، أن السياسة الخارجية لإدارة «روحاني» ستعمل على تحقيق توسيع سياسي لعلاقات إيران الإقليمية والدولية.
ومن وجهة نظر الخبراء الإيرانيين، يضيف الباحث أبو النور: «فإن سياسة حسن روحاني الخارجية لا مثيل لها في التاريخ الحديث، ذلك أنه حقق بالفعل إنجازات كبرى في مجال السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، ويتمثل هذا على سبيل المثال، في خروج إيران من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإنهاء ست حُزم من قرارات العقوبات في ضوء الاتفاق النووي، وتعيين الشخصيات المقربة من الغرب، والقادرة على إحداث التغيير».
ويؤكد الباحث صعوبة نجاح وعود برامج وتطلعات الرئيس حسن روحاني. ويضيف أن مهام روحاني ستنصب حول ثلاثة أمور أساسية: «أولاً تحويل الاقتصاد الإيراني بالكامل من نظرية اقتصاد المقاومة إلى نظرية «اقتصاد الليبرالية الجديدة». ثانيًا: معالجة التناقضات الداخلية بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحرس الثوري، تلك التي تلقى دعما من جانب المرشد، من خلال اصطفافه إلى جانبها، وعدم رضاه عن الهجوم الذي شنّه روحاني على قادتها، ويظهر ذلك عن طريق عدم تهنئة خامنئي لروحاني بعد الفوز الكبير بفارق سبعة ملايين صوت عن منافسه «إبراهيم رئيسي»، الذي تلقى دعما علنيا من الحرس الثوري.
ثالثًا: الحد من نفوذ الحرس الثوري، وتعديل سلوكه، والحد من الإنفاق العسكري على العمليات الخارجية في كل من سوريا والعراق واليمن.
وقد شهدت الانتخابات الإيرانية الأخيرة كذلك في بعض الدوائر حملة توقعات حول شخصية المرشد القادم للثورة بعد الإشارة إلى اعتلال واضح لصحة المرشد الحالي، جعله يخضع لجراحة سرطان البروستاتا، فـ«في الأشهر الأخيرة بدا أن خامنئي ليس هو الرجل قوي الشكيمة المسيطر على مفاصل السلطة، كما كان في فترة ما قبل المرض»، فهل يفسح غياب المرشد فرصة أخرى لصعود الرئيس روحاني نحو رئاسة حقيقية لإيران؟
ويرى الباحث «أبو النور» في استعراضه للتوقعات أن احتمالات أن يكون حسن روحاني مرشدا لا تبدو منخفضة، ولا يمكن تنحيتها من على طاولة مستقبل إيران، آخذا في الحسبان النفوذ الكبير الذي أرسى له حسن روحاني في مؤسسات الدولة، بما في ذلك «مجلس صيانة الدستور»، والكتلة النيابية الكبيرة التي يحظى بها تياره والتيارات الحليفة له داخل مجلس خبراء القيادة، ونجاحه في تحييد رئيس السلطة القضائية «صادق لاريجاني» في الأسابيع الأخيرة، ويبدو أن عددا من الدوائر الأمريكية تتخوف من صعود رجل مدعوم من الحرس الثوري إلى منصب المرشد في إيران حال تغيب خامنئي، الذي أضعف من نفوذ رجال الدين وصعّد نجم رجال عسكريين، وتم الترويج لهم أنهم أبطال قوميون». (السياسة الدولية، 209، يوليو 2017).
هل سينجح الرئيس روحاني في تغيير مسار السياسة والاقتصاد ومجابهة كل التحديات؟