عاطف الغمري

أذكر أنني استمعت في ندوة لعدد من خبراء الشرق الأوسط في واشنطن، إلى وصف غير مألوف لنزاعات الشرق الأوسط، في مواجهة الولايات المتحدة، وأي رئيس أمريكي، وحسب ما هو معروف عن طريق كثير من الساسة الأمريكيين، وهم يتحدثون في ندوة أو مؤتمر، أن يبدأوا حديثهم بنوع من الدعاية، ولهذا اعتبرت هذا الوصف لنزاعات الشرق الأوسط، كأنه تعبير عن طريقتهم في السخرية.
كان الوصف الذي نطق به خبير أمريكي، أن أي رئيس للولايات المتحدة يفاجأ في لحظة، وهو يتصور فيها أن الشرق الأوسط في حالة سكون، بأن الوضع في هذه المنطقة يقفز عليه ويكون قد عقره، مثل حيوان نهم، مما يجعله يتنبه إلى أن «عضة» الحيوان قد تركت في جسده أثراً لا يزول.
التحليل لهذا التعبير الذي جذب إليه الأنظار، وجد من يشخصه بأنه راجع إلى أن الرئيس، وهو يضع سياسته تجاه المنطقة، فهو يلقي نفسه في مفرق طريقين، يتجاذبه كل منهما ناحيته، وبقوة، أحدهما قوة الضغط اليهودي عليه، والثاني مصالح بلاده مع العرب.
ولا خلاف على أن بعضهم حسن النية، مثل كلينتون الذي تصور أن قدرته على إيجاد تسوية نهائية وتاريخية للنزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني، سيتوج عهده، بأن يفتح له صفحة في سجل الرؤساء العظماء، الذين يحققون إنجازاً تاريخياً، إلى أن فاجأته أزمة مونيكا لوينسكى، والتي ظهر أنها، وهي الصبية اليهودية المدربة في معسكرات الموساد، أثناء إجازتها الصيفية في «إسرائيل»، قد جاءته مكلفة بمهمة إثارة هذه الفضيحة، وهو فعلاً ما حدث، وأدى إلى شلّ قدراته على اتخاذ أي قرار تجاه النزاع في الشرق الأوسط.
معظم الرؤساء الآخرين، كانت ضغوط القوى اليهودية الأمريكية أقوى من احتمالهم، خاصة وأن الرئيس يظل مديناً لهم، للجهد الذي بذلوه في الدعاية والمساندة له في حملته الانتخابية التي أوصلته للرئاسة.
لذلك، كانت مفاوضات السلام التي يتولى رعايتها كوسيط، تدار بمنطق إدارة عملية السلام، وليس الوصول إلى حل سلمي للنزاع، وبالتالي يطول أمد هذه الجهود دون نتيجة، ويبدأ كل رئيس عهده خاضعاً لهذا الفهم، إلى أن يفاجأ مثل غيره، بالأزمة تقفز عليه دون مقدمات لتعقره، أو تعضه، حسب تعبير الخبير الأمريكي.
الآن دخل عنصر مضاف إلى الحساب الذي يقيس به أي رئيس أمريكي خطواته تجاه النزاع الفلسطيني «الإسرائيلي»، وهو الإرهاب الذي تغذيه، أو تبرره للبعض، قساوة الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني، مدعوماً بالتحيز الأمريكي المطلق ل«إسرائيل»، خاصة وأن الإرهاب راح يقفز هناك في عقر دارهم، أي في أمريكا والغرب عامة، ما يستدعى حق أي عاقل إعمال الحكمة، والنظر إلى القضية بطريقة مختلفة، واضعاً في الاعتبار أن أسلوب طمأنة شعوب المنطقة، وتخدير مشاعرها، بخطوات توحي وكأنها تسعى للحل، بينما هي تطيل أمد النزاع.
إن عدم حل هذه القضية، والكف عن الانحياز بلا حدود لكل ما تريده وتفعله «إسرائيل»، أصبح يمثل، ليس فقط مصدراً للمعاناة والظلم للشعب الفلسطيني؛ بل إنه يمثل في مستقبل قادم، خطراً كبيراً على الشعب «الإسرائيلي» ذاته، وهو ما أقرت به وعلناً منظمات يهودية أمريكية مثل: «إسرائيل» بوليسي فورام»، و«أمريكيون من أجل السلام الآن»، و«جي ستريت»، وغيرها، فضلاً عن مؤلفات لكتاب أكاديميين مرموقين، يرون أن هذا السلوك التقليدي الأمريكي تجاه نزاع الشرق الأوسط، ليس في صالح الولايات المتحدة على المدى الطويل، وحتى وإن قصرت نظرتها عن إدراك ذلك في الوقت الراهن.