هدى الحسيني

 بدأت شركات نفط روسية تتلقى عقوداً لاستثمار آبار النفط والغاز في سوريا، كما وقعت شركة «ستروي ترانس غاز» صفقة لتعدين الفوسفات. الصفقات تمت كون الشركات الروسية جاءت بقوات خاصة حررت المناطق من تنظيم داعش، وأبرز الموقعين والفائزين الآن هم شركة النفط «إيفرو بوليس» و«ستروي ترانس غاز».

وتعتبر الاتفاقات المبرمة مع الحكومة السورية حوافز للشركات الروسية التي تساهم بتثبيت الأمن في سوريا. وقال إيفان كونوفالوف مدير مركز الاتجاهات الاستراتيجية لصحيفة «نيويورك تايمز» في الخامس من الشهر الحالي، إن الصفقات وقعت في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكن كشف النقاب عنها الآن، وأوضح: «إذا وفرت الشركات الأمن عندها على الدولة أن تدفع ثمن تلك الخدمة ولا يهم بماذا تدفع». في صفقة النفط فإن شركة «إيفرو بوليس» التي تشكلت الصيف الفائت سوف تحصل على حصة بنسبة 25 في المائة من النفط والغاز اللذين يخرجان من المناطق التي استعادتها من تنظيم داعش بالقرب من تدمر.

ويذكر كونوفالوف أن «هذا الترتيب يعود إلى زمن فرنسيس دريك وسسيل رودس (الشخصيتين في التاريخ البريطاني اللذين ارتبطت حياتهما بالحرب والربح الخاص).
كانت شركة «إيفرو بوليس» تتعاون مع مجموعة أمنية غامضة تحمل اسم «فاغنر» فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لأنها أمنت جنوداً تعاقدت معهم ليحاربوا في أوكرانيا. أما الصفقة التي فازت بها شركة «ستروي ترانس غاز» لاستثمار الفوسفات وسط سوريا، فكانت مقابل تأمين الشركة الحماية لحقول الفوسفات. هذه الشركة يملك أغلبيتها جينادي تيمشنكو، الموضوع اسمه على قائمة العقوبات الأميركية، وهو وقع اتفاقاً مع الحكومة السورية لاستئناف التعدين في مناجم فوسفات «الشرقية» في سوريا.
وسط ذلك تطل الصين مع التقارير التي تقول عن وجود النفط في مرتفعات الجولان، الأمر الذي يعزز دور الصين كمدافعة عن السلام في المنطقة المضطربة، وتمهد لها الطريق لمبادرتها «الحزام والطريق». تبحث الصين عن الاستقرار الإقليمي لاستمرار وصول الطاقة من الشرق الأوسط إليها، ولدفع مشروعها البري، لذلك، حسب التقارير فإنها تكثف جهودها للمساعدة في حل الأزمة السورية، وحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. لقد أصبحت أكثر استباقية في دعم التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض في سوريا، واقترحت إجراء حوار ثلاثي بين الصين وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، والمضي قدماً في مشاريع البنية التحتية الإقليمية في سوريا والأردن وإسرائيل، حيث سيتم استيراد 20 ألف عامل لمشاريع البنية التحتية.
أصبحت الصين صاحبة مصلحة فعلية في الشرق الأوسط، فهي تزيد الموارد لحماية حافظتها المتزايدة من الأصول، وأيضاً لحماية مواطنيها. في يوليو (تموز) الماضي أرسلت الدفعة الأولى من القوات الصينية إلى القاعدة البحرية الجديدة التي أنشأتها في جيبوتي لزيادة وجودها في قوات حفظ السلام في جنوب السودان (للصين تاريخ عريق في السودان الموحد والمقسم)، وعرضت 8 آلاف جندي لقوات حفظ السلام للبقاء الدائم في مناطق النزاع والانضمام إلى قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في الجولان في المستقبل.
وسط كل هذه المستجدات فتش عن النفط، في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015 اكتشفت شركة «أفيك للنفط والغاز» الإسرائيلية، وهي شركة تابعة لشركة «جني إينرجي» الأميركية كميات من النفط في مرتفعات الجولان «مع احتمال وجود مليارات البراميل»، وقال كبير الجيولوجيين فيها يوفال باتوف: إن سماكة الطبقة تصل إلى 350 متراً، وهي عشرة أضعاف متوسط النفط في العالم كله. تمكنت «جني إينرجي» من الحصول على تراخيص استكشافية على الرغم من معارضة المجموعات البيئية والمحلية. قلق هذه المجموعات أن الحفر قد يلوث ريف الجولان وبحيرة طبرية مصدر معظم مياه الشرب في إسرائيل، وهناك جدل في إسرائيل عن الأكثر أهمية للبلاد: الحصول على مياه الشرب أو استغلال الطاقة. يضاف إلى ذلك أن النوعية وتكلفة التنقيب والاستخراج لا تزال غير معروفة، وهناك معارك قانونية، في الانتظار.
لكن المشكلة الأكبر تدور حول مسألة السيادة. إسرائيل «ضمت» جزءاً كبيراً من الجولان عام 1981، لكن الهضبة لا تزال تعتبر دولياً أرضاً سورية محتلة بشكل غير قانوني. حتى إسرائيل تعترف بذلك عندما عرضت الانسحاب من الجولان الذي احتلته عام 1967 مقابل اتفاق سلام شامل مع سوريا. لم يتم التوصل يومها إلى اتفاق مع الرئيس الراحل حافظ الأسد حيث فشل على ضفة طبرية. ومنذ بدأ تفكك سوريا عام 2011، وكثر الحديث عن تقسيم مناطق لم تشمل الجولان، صارت إسرائيل تستبعد أي صفقة، لا بل تطالب بالاعتراف بسيطرتها على 1200 كلم مربع تحتله في الجولان. وتدخلت عسكرياً في شهر يونيو (حزيران) الماضي عندما تبادل الجيش السوري النار مع قوات معارضة في المنطقة، حيث تدعم إسرائيل مجموعة متمردة تطلق على نفسها «فرسان الجولان» وتعتبرها قوة عازلة لإبقاء الجيش السوري و«حزب الله» المدعوم من إيران بعيداً عن خطوطها، هذه التطورات المستمرة تعقد المسار الذي ترغب فيه شركة «جني إينرجي» لاستكشاف ثروة الجولان.
هناك أيضاً كمية نفط محتملة أخرى تقع داخل إسرائيل تعمل على استكشافها شركة من تكساس اسمها «نفط صهيون» بدأت منذ عام 2005 تحفر بالقرب من حيفا لاستخراج 484 مليون برميل من النفط، وقد أكد الجيولوجيون عام 2004 وجود حقول نفط وغاز هناك. تملك شركة «نفط صهيون» رخصة للتنقيب في مساحة 40 ألف هكتار، وهي تحفر على بعد 42 كلم جنوب ما اكتشفته شركة «جني إينرجي» في الجولان، يضاف إلى ذلك حقول الغاز الطبيعي في البحر «ليفياثان» و«تامار»، كل هذا قد يجعل من إسرائيل في المستقبل مصدراً مهماً للطاقة ليس فقط في المنطقة أو أوروبا، بل إلى الأسواق الآسيوية مثل الصين والهند. وكنا لاحظنا الزيارة الناجحة جداً التي قام بها الرئيس الهندي مودي إلى إسرائيل والاتفاقيات الموقعة، كما نلاحظ عمق العلاقة الصينية - الإسرائيلية.
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بسوريا وإسرائيل، فإن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قد يكون انتشارها في الجولان أكثر قبولاً، خصوصاً أن بكين أرسلت عام 2006 ألف جندي إلى لبنان بناء على طلب إسرائيل التي لم تكن تريد قوات عربية على حدودها، وفضلت قوات آسيوية من الصين والهند وكوريا الجنوبية والفلبين.
من هنا، يمكن أن يكون الاهتمام الصيني بتعزيز وجودها في قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، بمثابة وسيلة لبناء الثقة وقوة عازلة فعالة بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان نظراً لعلاقات الصين الجيدة مع كلا البلدين، وقد توفر أرضية اختبار لبناء علاقات أميركية - صينية جيدة في الشرق الأوسط بسبب فوائد مشتركة في نهاية المطاف من النفط الجديد في الجولان.
بالنسبة لشركات النفط الروسية كانت الحكومة السورية مستعدة لعقد مثل هذه الصفقات: تبادل الأمن بالموارد الطبيعية. والمعروف والشائع أن الحروب في الشرق الأوسط، الجزء الأكبر من أسبابها تفوح منه رائحة النفط والعقود، روسيا تجاوزت ما كان رائجاً في الإبقاء على الأهداف سرية، وكشفت وكلفت شركات بالتوقيع وبدء الاستخراج، أما الصين، فكما عادتها دائماً، لا تحيد عن استراتيجيتها، تتقدم، تقضم، تبني مشاريع، أقامت ست جزر صناعية في بحر الصين استيقظت أميركا من قيلولتها فاكتشفت الجزر وقد صارت خط الدفاع الأول للصين. إنها الصين، تترك الدول الأخرى تقاتل عسكرياً وهي تتقدم اقتصادياً وتجارياً، وكل ذلك عبر مشاريع يقوم بها آلاف من العمال الصينيين.
بدأت إيران تعاني من كثرتهم. إنها الصين وطريق الحرير. تشم رائحة النفط، «تعانق» الدول المعنية، وترسل إلى الدول «المفككة» قوات لحفظ السلام، كل ذلك بانتظار أن «تغط» على صفقات النفط، وإسرائيل في المقابل تريد أن تصل إلى الصين عبر خطوط نفط المتوسط وحيفا والجولان!