سلمان الدوسري 

 طارت الدوحة بأكذوبة جديدة من باب سياسة عل وعسى التي تنتهجها منذ المقاطعة الرباعية، هذه المرة، بأن السعودية طلبت الوساطة مع إيران، هذا الحديث لم يصدر من مسؤول سعودي، وليس من وزير خارجية العراق مثلاً، بل نقل عن وزير داخلية العراق قاسم الأعرجي خلال وجوده في طهران.

وبعيداً عن النفي الرسمي السعودي السريع بأن الرياض لم تطلب «أي وساطة بأي شكل كان مع جمهورية إيران، وأن ما تم تداوله من أخبار بهذا الشأن عار من الصحة جملة وتفصيلاً»، فإن المنطق وسياق الأحداث الجارية في المنطقة تجعل من الاستحالة أن تطلب السعودية وساطة مثل هذه مع إيران في ظل الظروف الحالية، خاصة بعد أن حسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأمرَ، شارحاً موقف بلاده الواضح من هذا الحوار بقوله: «لا توجد نقاط التقاء نتباحث على أساسها مع النظام الإيراني»، وبالتالي استحالة إجراء حوار مع إيران التي قال عنها إنها مشغولة بالتآمر للسيطرة على العالم الإسلامي.

لكن ما الذي يجعل الحكومة القطرية تطير بهذه الأكذوبة وتفرح وتحتفي بها وتروّج لها قبل التأكد من حقيقتها؟! في تقديري أن الإجابة تتلخص في ثلاث نقاط؛ أولاها أنه منذ المقاطعة الرباعية ثبت أن الدوحة لا سياسة لها إلا ترويج الأكاذيب واحدة تلو الأخرى، بداية من ترويج المظلومية بأن ما يحدث هو حصار وليس مقاطعة، ثم الادعاء بأنه تم منع مواطنيها من العمرة وثبت أن 1600 من مواطنيها قاموا بالعمرة فقط في الأيام القليلة التي سبقت المقاطعة، ثم مساعي تدويل الحج قبل أن تتراجع بعد رد الفعل السعودي القوي الذي أجبرها على عدم اللعب بالنار، ثم الإعلان عن عودة طيرانها فوق أجواء الدول الأربع وانكشفت الكذبة سريعاً، وغيرها من حملة منظمة كانت الدوحة تفعلها سابقاً سراً تارة، وبطريقة غير مباشرة تارة أخرى، وعن طريق أدواتها الإعلامية تارة ثالثة، ثم أصبحت لا تتوانى في فعلها بشكل صريح وواضح، وثانياً: تسعى قطر لتخفيف الضغط عليها بعد انفتاحها على إيران بشكل متسارع، في حين يبتعد الجميع عن عاصمة الإرهاب ورأس حربة الإرهاب عالمياً، لا يخفى على أحد أن التحالف معها سيضع قطر في المصاف نفسه، كما أن إيران تعمل على نشر الفوضى وزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وإذا اختارت قطر أن تكون في الخانة ذاتها فهذا تأكيد أنها تمارس سياسة تضر بالمنطقة والعالم، وتأكيد للمخاوف التي دفعت الدول المقاطعة لاتخاذ قرار قطع العلاقات معها، والدوحة ترغب في أن تضع المملكة، ولو زوراً، في الخانة نفسها معها. أما ثالث الأسباب لترويج قطر هذه الكذبة المفضوحة، فأنها مراراً ما دفعت دول مجلس التعاون الخليجي بتقارب مع طهران منذ سنوات كثيرة، ووجدت في الكذبة العراقية فرصة للمضي في هذه الطريق، وأذكر أنني كنت مكلفاً تغطية القمة الخليجية في الدوحة في مارس (آذار) 2007 عندما فوجئ الجميع بمشاركة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في القمة، بصفته أول رئيس إيراني يشارك في قمة خليجية منذ تأسيس المجلس عام 1981. حينها أسر لي وزير خليجي بأن بلاده لم يكن لديها علم بدعوة أحمدي نجاد، قائلا: «لم نعلم عن هذه الدعوة مسبقاً، ولم تتم استشارتنا... علمنا من وسائل الإعلام»، في حين قال مسؤول خليجي آخر إن هناك «اشمئزازاً خليجياً من حضور أحمدي نجاد»، بل واستغلت الدوحة أن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية قطري، حيث صرح بأن دعوة أحمدي نجاد جاءت «برغبة خليجية مشتركة»، وهو الأمر الذي تبين عدم صحته لاحقاً.
إذا كانت الدوحة بين ليلة وضحاها قلبت الطاولة على مبادئها، مثل المشاركة في الحرب ضد الحوثيين ثم فجأة اعتبرت مشاركتها «مجاملة»، أو تطوير العلاقة مع إيران بشكل كبير وهي التي كانت توهم الآخرين بأن ذلك غير صحيح، فإن الدول العاقلة والراسخة لا تفعلها، فالمبادئ لا تتبدل، أما المواقف فتتغير بحسب المعطيات السياسية، وفي حالة الحوار أو التقارب مع إيران، فإذا كانت طهران مستمرة في مواقفها التخريبية فإن الحوار أو الوساطة لا طائل منها، ومتى ما تغيرت سياستها، فإن لكل حادث حديثاً، ولا أحد يرفض استقرار المنطقة وتقارب دولها، لكن من الاستحالة أن يتم ذلك في ظل التصعيد الخطير للسياسة الإيرانية التوسعية بميليشياتها وعملائها في ست دول عربية، وأيضاً في ظل السياسة العدائية التي تقوم بها الحكومة القطرية ضد أشقائها ومحيطها!