حسين شبكشي

 لا تزال رؤية 2030 تحتل عناوين الأخبار، وتتصدر أحاديث الكثير من المجالس لدى عامة السعوديين. وبحكم عملي، دائماً ما تأتيني أسئلة لها علاقة بهذا الموضوع، ولكن السؤال الذي لفت نظري هو ما طرحه علي أحد الشباب من طلبة الجامعات وهو: «لماذا تاريخ 2030 تحديداً»؟ وهذا سؤال مختلف وذكي، وبالفعل هناك وجاهة وأهمية لافتة لاختيار هذا التاريخ بالذات.

يعتقد كثيرون من خبراء دراسة الظواهر والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية أن سنة 2030 هي سنة نقطة تحول Tipping point، وذلك لاعتبارات مختلفة تتشكل فيها الكثير من التحولات، وتبدأ نتائج بعض الأنظمة والاختراعات في التطبيق العملي لها. فمثلاً دعونا نستعرض بعض اللمحات لما هو متوقع، وهنا الموضوع لا علاقة له بعلم الفلك والتنجيم، ولكن بقراءات عميقة لاستطلاعات تحولات مستقبلية. وأهم هذه النقاط هي أن ألمانيا (وستلحقها بالتدريج أوروبا) ستمنع تماماً بيع السيارات المستهلكة للنفط التقليدي، وستكون الهند الدولة الأكبر من ناحية التعداد السكاني في العالم. وطبياً سيتمكن جراحو الأعصاب من إعادة تحويلها لتمكن المصابين بالشلل من استخدام أطرافهم، وكذلك سيتم توزيع الدم المنتج من الخلايا الجذعية على المستشفيات وبنوك الدم. وأيضاً ستكون تكلفة ألواح الطاقة الشمسية للواط الواحد ما يعادل نصف دولار أميركي.
أما بالنسبة للسيارات الكهربائية التي تم بيعها حول العالم فسيبلغ عددها أكثر من 13 مليون سيارة. كما سيكون هناك إبر طبية يتم تعاطيها مليئة بالبروتين لعلاج داء السكري. وفي المدن الرئيسية حول العالم ستكون جزءاً أساسياً من حلول النقل والمواصلات السيارات الطائرة التي سيتم تصنيعها من كثير من الشركات المصنعة للسيارات التقليدية اليوم، وستكون طائرة في سماوات هذه المدن. وسيتمكن العلماء من تطوير مضاد للإنفلونزا يستطيع مقاومة كل أنواع الفيروسات المسببة لها.
أيضاً من اللمحات لما هو متوقع، أنه سيتجاوز تعداد سكان العالم الـ8.5 بليون نسمة، وتركيزهم الأساسي سيكون في دول العالم الثالث، مع نقصان حاد في التعداد في الدول الأوروبية واليابان. كما ستتمكن الطابعات ذات الأبعاد الثلاثية من إنتاج أعضاء وأنسجة بشرية قابلة للزراعة في جسم الإنسان بشكل فوري وتعمل بكفاءة كاملة، وظهور استعداد بشري للهبوط على سطح المريخ في خلال 10 سنوات.
هذه كانت مجرد نماذج وعينات مما تتوقعه وتخطط له سلسلة مهمة ومتنوعة من القطاعات المختلفة والمؤثرة في سنة 2030، وهي جميعاً تعتمد على فكرة أن 2030 هي نقطة تحول «شمولية» كما حصل مع الثورة الصناعية ذات مرة، وفي الثورة الإلكترونية في الثمانينات من القرن الميلادي الماضي.
هذه النوعية من التواريخ هي ما تسمى بالتواريخ المؤثرة، ومع المجتمعات المفتوحة اليوم بات من الممكن «الإنفاق» و«التنسيق» في الطاقات والموارد للإقلال من الهدر، وذلك تحقيقاً لأفضل العوائد... وهذا الانطباع موجود لدى العديد من العقول العاملة في المراكز الاستراتيجية للجامعات والمصارف العملاقة والمؤسسات المالية الكبرى، وكذلك الشركات المتعددة الجنسيات، إنها سنة التحول، وهناك توقعات أعمق لقطاعات بأكملها إما بالانقراض أو التطور، وهو تحدٍ لا يواجه قطاعات، لكنه يهدد ويواجه شعوباً ودولاً في ذلك الوقت.
من السهل جداً التغني بأمجاد الأمس، أما صناعة المستقبل لا يقدر على ذلك إلا الجادون فقط.