سمير عطا الله

 العام الماضي بدأ أحد الأيام عادياً في بيروت. وكان شاب يتجه في سيارته إلى عمله، فتجاوز سيارة فيها رجل ورفيقته. ويبدو أن الأخير يتمتع بقوة عضلية فائقة وضعف إنساني مريع، فلم ترُق له ولكرامته حكاية التجاوز هذه، فأخذ يطارد العدو الهارب من شارع إلى شارع حتى أدركه في محلة الأشرفية.

هناك، أنزله من سيارته، ورماه في الشارع، وراح يطعنه، ولم يتوقف إلا عندما توقف ضحيته عن التوسل والأنين والصراخ. وكان المارة يتفرجون. يسمى هذا في اللغة القضائية «جريمة موصوفة في وضح النهار». ولكن الشهود وقفوا عاجزين ومذعورين ولا يقوون على شيء.
ماذا كنت ستفعل لو صادف وجودك في المكان؟ لا شيء. فالمتوحش أقوى منك بوضوح، والقتل بالنسبة إليه أمر عادي لأنه «مسنود»، وإلاّ لما ترك لتوحشه المتعمد وسابق التصميم أن يبلغ هذا المبلغ. وبعد ذلك سوف تذهب إلى بيتك متضايقاُ من مشهد الدماء وأصوات التوسل.
ما هو الأسوأ من ذلك؟ إنه القانون الذي يعتبر إشاحتك أمراً طبيعياً. لكن لو كنت في بريطانيا، لامتلأت الشوارع بنداءات تطالب أي شاهد بالمساعدة. نسبة كبرى من الجرائم في أوروبا يكشفها، أو يبلغ عنها، الشهود. لماذا؟
لأنهم أُنشئوا على الحس المدني، وأن الروح البشرية أغلى من أي شيء. وأنك شريك الدولة في مسؤولياتها، ومن ضمن هذه المسؤوليات، سلامتك وسلامة سواك. أي الجميع. وهذا الشعور يُخيف المجرم المتوحش، ويبعث فيك الشجاعة، ويقوي فيك المروءة.
بعد عامين لم يصدر حكم في حق القاتل المتوحش. ولذلك، تكررت الجرائم المطابقة. وقد تعهد الرئيس ميشال عون، بعد آخر جريمة، بإنزال العقاب بالمجرم. لكن شهامة الرئيس ومشاعره ليست بديلاً عن القانون. الأمر هنا في يد قاضٍ يخاف ربّه، ولا يخاف صغار الزعران، ولا كبارهم. الأمن في بريطانيا لا صورة ظاهرة له، لأنه موجود في نزاهة القضاء.
الإشاحة شراكة في الجريمة. ونحن أمة خوف وإشاحة. نعاقب المخالف ولا نعاقب المجرم. الشعوب التي تتظاهر بأنها لا ترى ولا تسمع تعود فتقع في المصير نفسه. تغاضى الألمان عن أولى ظهورات «القمصان السود»، فكبر أصحابها حتى دمروا أوروبا وأشعلوا العالم، وفي النهاية، دمروا ألمانيا.
لذلك، تهب أوروبا الآن مرة واحدة لمواجهة أي مظهر بسيط لليمين المتطرف. لن يُسمح له مرة أخرى بإحراق القارة. والبيوت المليئة بذكريات الإشاحة، تعلمت الأمثولة التي جعلت عدداً من الموتورين يقودون الشعوب الراقية إلى الهلاك.
لو حوكم مجرم الأشرفية، لما تكرر المشهد المريع في مناطق عدة من لبنان. والبطل هو نفسه في كل مكان: تهتز كرامته لأن شاباً تجاوز سيارته، فكان لا بد من مطاردته وقتله. والعيب ليس على المجرم، بل على شعب الإشاحة. في كل مكان.