سعيد الحمد

حكاية خروج عزمي بشارة بطريقة عادية جدًا من «إسرائيل» ثم الزوبعة التي أثارها فيما بعد حول ملاحقة ومطاردة الأجهزة الاسرائيلية له ستبدو مثيرة لألف سؤال وسؤال وستطرح علامات استفهام لم يفككها لنا عزمي وهو الناقد والأديب والروائي والمفكر والمنظر في كل شيء إلا حكاية خروجه ظلت غامضة وملتبسة.
ولأننا في عالم رفع غطاء السرية عنه ولم تعد السيناريوهات محاطة بالكتمان فقد بحثنا وبحثنا حتى وجدنا مقابلة للمستشار الفلسطيني بمنظمة التحرير الاستاذ طه الخطيب تميط اللثام عن حكاية عزمي وتزيح الستار عن سريتها المزعومة وفق لعبة تم ترتيبها بعلم الاطراف المعنية المشتركة.
وبحسب وثائق الاستاذ الخطيب ان عزمي خرج من اسرائيل الى لبنان وتحديدا الى معقل حزب الله في العام 2006 مهنئا ومباركا لحسن نصرالله «انتصار حزبه» على اسرائيل في حرب ذلك العام.
ثم خرج من نصر الله ميمما وجهه شطر قصر بشار الاسد ليطبع قبلة تهئنة اخرى وينال الرضا من الطرفين والذي كان عبارة عن دفعة تمويل مالي ونقدي كبيرة دخلت في حسابه في تل أبيب هي الدفعة الاولى من الدعم وقدرت بستمائة ألف دولار امريكي، وقبل وصول الدفعة الثانية كان عزمي بشارة قد أخبر السلطات المعنية في حكومة اسرائيل بالمبلغ.
وكانت تلك بداية سيناريو آخر سيكون اكبر واخطر في مهمة عزمي التي خرج من أجلها بعلم الحكومة الاسرائيلية وبالتنسيق معها والترتيب للخطوة القادمة التي كان طرفها الرئيسي في تل أبيت المخابرات الاسرائيلية وطرفها الآخر الرئيسي حمد بن جاسم في الدوحة بواسطة عزمي بشارة، وهي صفقة كبيرة انفتحت مظلتها على عدة مشاريع اقتصادية وترتيبات دبلوماسية بموجب تفاهمات حول العلاقات بين العاصمتين تل أبيت والدوحة والتخطيط لاستثمارات مشتركة تستفيد منها الاطراف في الدوحة وتل أبيت.
وبالقطع استفاد منها عزمي بشارة واستثمرها ليس ماديا وبشكل مبالغ فيه وبسخاء قطري انسكب عليه مدرارا فقط، بل في الوصول الى صناعة القرار في الدوحة ثم الاستحواذ تقريبا على صنع القرار خلال السنوات الاخيرة التي برز فيها نجمه وسطع اسمه في الدوحة وفي مراكز الحكم وكواليس القرار هناك.
وحتى يحيك الرجل «عزمي» القصة ويعطيها في مسألة خروجه بسلام من تل أبيب بعدا قوميا ووطنيا ويسجل من خلالها بطولة مجانية، فقد ظل يعيد ويزيد ويكرر في كل لقاء معه أو حوار أن اسرائيل «تطارده وتلاحقه»!!
وطوال ما يزيد على عقد من الزمان ظل فيها عزمي يسيح ويتمدد بين عواصم الدنيا جميعها واسرائيل بمخابراتها وأجهزتها عاجزة عن اصطياده، وهي التي أوقعت اجهزتها وقتلت وفجرت قادة فلسطينيين كبار مثل خليل الوزير «أبو جهاد» وكمال عدوان وغسان كنفاني وعشرات بل مئات من خيرة قادة ومناضلي فلسطين.
وحده عزمي لم يصب بخدش اسرائيلي واحد وهو الذي لا يعيش في المخابئ السرية بقدر ما يعشق الأضواء ويبحث عن الاعلام والميديا ولم يكف أو يعف عن تلقين الآخرين محاضرات اينما حل واينما رحل طوال اكثر من عقد من الزمان.
وبقدر ما لعب عزمي بشاره بالميديا وخصوصا الجزيرة فإن الميديا لعبت ضده هذه المرة، وبقدر ما كشف فقد انكشف، وقد غاب عن «المفكر والمحلل والمنظر» ان الميديا والاعلام بقدر ما تبرز وتلمع فإنها أيضا تحرق، ولست أنت وحدك يا عزمي اللاعب الوحيد..!!