كذابون بصدق!

 خالد أحمد الطراح

 حقبة السبعينات ليست ربيعاً عربياً كما حدث أخيراً في معظم البلدان العربية، وإنما هي حقبة تاريخية اقتحمتها الثورات والصدام بين الشعوب والسلطة من أجل حريات وإنجازات تاريخية استوجبتها تضحيات من شرفاء في العالم العربي.


الكويت لم تكن بمعزل عن تلك التطورات، فقد تفاعل الشعب أيضاً مع ما شهدته الساحة العربية من مواجهات سياسية، فالشعب الكويتي أيضاً صاحب تاريخ في النضال وتحقيق مكتسبات ديموقراطية.
تذكرت تلك الأحداث وأنا أسترجع حركة مريبة ومتقلبة لبعض الشخصيات الانتهازية ممن ادعوا العمل الوطني في السبعينات بثورية وكتابات اتسمت بمعارضة ــــ شكلية المظهر والصوت ــــ حينها، وهذا لا يعني الكل طبعاً من الوطنيين، وإنما لمن اختار «الكذب بصدق» عن مواقف وهمية عن العدالة الاجتماعية والشراكة في صناعة القرار السياسي!
هؤلاء اليوم نجد لهم رأياً سياسياً مختلفاً تماماً عن مواقفهم السابقة بعد أن لوّثوا العقول بكذبهم ونفاقهم حتى يخلقوا لأنفسهم هالة فكرية وينقاد وراءهم من ينقاد من ضحايا النضال السياسي!
حين زالت الأقنعة في الثمانينات والتسعينات بعد سنوات من الكذب السياسي، هؤلاء اليوم يعيشون في أحضان حنونة وسخية جعلتهم يتحدثون بلغة المال، متناسين مواقفهم ومن وقف معهم أيام النضال المزعوم، فسطوة المال لها قيمة أكبر من قيمة النضال السياسي الذي له مردود وطن وشعبي لا تصرفه البنوك!
تحت راية الفكر والسياسة، نجد هؤلاء يتشدقون بضرب المكتسبات الديموقراطية أمام محيطهم المريض، ورغبة في إرضاء نفوس تلهث وراء تعثّر وتشويه الديموقراطية من خلال ممارسة نوع جديد من أساليب تلويث العقول وقلب وجه الحقيقة وتفسيرها بشكل متلون بعد أن كانوا يزايدون على رموز لم تغريهم المادة أو يغيروا مواقفهم!
أكتب بقلب يتألم وذاكرة حية عن حفنة من أثرياء اليوم الذين بنوا ثروات من تجارة التجزئة السياسية، وتحريض كتّاب من الخارج والداخل لضرب النظام الديموقراطي الكويتي، تحت حجج واهية وأهداف زائفة وغايات مسمومة، تعبيراً عن مكنون ذاتي يعتمد على الرياء ليستوطنوا بين أروقة القصور ومآدب المتنفذين!
في أحد المؤتمرات عن الهوية الوطنية، شارك البعض أخيراً برأي مختلف تماماً عما كان يجترونه في السبعينات عن الاغتراب والعزلة الاجتماعية، باعتبارهم مفكري زمان الأمس البعيد واليوم!
خلال محنة الغزو، كدت شخصياً أقع في فخ انتهازيي السبعينات، ولكن نصيحة صادقة من الأخ الكبير برجس البرجس (رحمة الله عليه) بالتروي والتأني في اتخاذ القرار والتحليل أنقذتني من الوقوع في مستنقع «الكذب بصدق» وتجار التجزئة السياسية!
تحديد أسماء هؤلاء ليس مهماً، فهم معروفون لدى أنفسهم قبل غيرهم من أهل الكويت الشرفاء الذين لم يقتنعوا يوماً بمزاعمهم في الخوف على المصلحة الوطنية، فقد كانت لهم تلك المزاعم نافذة للوصول إلى ما بلغوه اليوم من مكانة مرموقة بين صفوف المتنفذين.
تجار التجزئة السياسية كشفتهم الأيام وكشفتهم أيضاً أفعالهم، فقد كانوا يبحثون عن عناوين جاذبة لكذبهم، ولكن جسد العمل الوطني تطهر منهم، لله الحمد!
أجمل وصف لهذا التمويه وتجزئة الحقيقة أو ما يعرف بنصف الحقيقة ما قاله الفيلسوف الفرنسي PAUL GUILAUME GIDE ANDRÉ «المنافق الحقيقي هو الذي لا يدرك خداعه، لأنه يكذب بصدق»!