علي نون

هناك شيء غريب يجري في إيران: «المرشد الأعلى» و«الولي الفقيه» علي خامنئي يتحدث عن «المصالح» بلغة سياسية ناشفة ومن دون أي أطر تعبويّة إيمانيّة خارجة من مدونات الفتاوى والتكليف الإلهيَّين.. والرئيس حسن روحاني، الإصلاحي الانفتاحي البراغماتي يستعير قطعيات من النصّ المؤدلج ليتحدث عن «تمزيق الاتفاق النووي» في غضون ساعات!

ومثلما كانت جذريّة طرح روحاني لافتة باعتباره بدا محافظاً شديد التوتر والعدائية إزاء العقوبات الأميركية وتأثيراتها المأخوذة مباشرة الى «الاتفاق النووي»، فإنّ سلاسة الكلام المنسوب الى خامنئي، والمنقول على لسان الجنرال قاسم سليماني وليس غيره، في قصّة أولوية «المصالح الإيرانية»، تبدو لافتة أكثر، ومدعاة تأويل يُفترض منطقياً أن تصيب رئيس سوريا السابق بشار الأسد بالقلق والتوجّس، خصوصاً أنّ «المرشد» هو صاحب الحُكم (الذي لا يُردّ!) بأنه ديكتاتور، وأنّ الدفاع عنه أمرٌ لا يتصل به وبطبيعته وأدواره المدّعاة، بل بالمصالح الإيرانية العليا!

وفرادة الاستنتاج كامنة في الشكل والمضمون. أولاً لأن توصيف الأسد بما فيه وبما يستحق جاء من المرجع ذاته الذي اعتبر الدفاع عنه قضية «حياة أو موت»! وثانياً لأن الكلام (الخلاّب بالمناسبة!) جاء مباشرة بعد الإطلالة الأخيرة لرئيس سوريا السابق ومحاولته الظهور بمظهر «المنتصر»! والمطمئنّ! والمرتاح الى حدِّ التكرّم بتوزيع الإشادات على مَن سانده ووقف معه، وبالاسم، من خامنئي الى بوتين.. الى «حزب الله»! وثالثاً لأنّ إيران وليس غيرها، ومرشدها الأعلى وليس غيره، يغرفان من مخزون قيم الدين والدنيا لمحاولة التبرؤ من «عيب» خطير وكبير هو الوقوف الى جانب ديكتاتور مثل الأسد! ثم تبرير ارتكاب ذلك «العيب» بإشهار لغة «المصالح القومية العليا»! وهذه رديفة مبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة»! وهذا في العادة، الاسم الحركي التلطيفي، للموبقات الكبيرات! والسقطات الخطيرات! وسائر مفردات الانحطاط مثل الانتهازية والغدر والاعتداء والفتك بمكارم الأخلاق والروح البشرية.

وبالتالي، ليس قليلاً على الاطلاق، أن يقول «مرشد الثورة» على الشاه في إيران، أن بشار الأسد ديكتاتور مثلما كان ذلك الشاه تماماً!

غير أنّ في التوصيف الصاعق هذا، إدانة مضادة: الذهاب الى سوريا للفتك بثورتها، كان دفاعاً عن «مصالح إيران» التكتيّة والاستراتيجية. وهذه لغة متصلة بالسياسة وليس بالدين! وبمقوّمات مشروع «الدولة المحورية» وليس بشيء آخر! أي إن القول كان في غير مكانه، عن «حماية المقدسات الدينية»! أو عن منع «سقوط» سوريا في «أيدي الأعداء»! أو لأنّ نظامها رأس رمح محارب في صفوف «الممانعة» و«المقاومة»..

أي أن إيران، تقول جهاراً نهاراً، وعلى المكشوف، إنّ «مصالحها» أهمّ وأولى من أيّ «قضية» مدّعاة! وهي، هذه المصالح، أخذتها الى التدخل في اليمن والعراق ولبنان، ومحاولة الحركشة والتخريب في الدول العربية عموماً ودول الخليج العربي خصوصاً!

وفي مضمون إشهار لغة المصالح، بتلك الطريقة الصاخبة، ومن قبل أرفع مستويات القرار، ما يُفترض أن يصيب بقايا السلطة الأسدية بالهلع، وليس بالقلق فقط: كأنّ إيران تباشر التمهيد لشيء سوري آخر!؟ وتُعلن سلفاً، أنّ مصالحها العليا (مثلاً) التي قضت بأن تذهب «مضطرة» الى ارتكاب «عيب» دعم ديكتاتور، هي ذاتها التي ستقضي وتأمر بالقبول بتسوية تفرض التخلّص عن هذا الديكتاتور في مقابل حفظ شيء من «دورها» و«استثماراتها» في سوريا والمنطقة!

أيّاً تكن الخلفيات والحسابات، فإنّ الكلام الإيراني، يبقى أكبر من مجرّد «فركة إذن» للتابع الأسدي، وأقرب ما يكون الى ضربة على نافوخه مباشرة لمنعه من الاستطرادات والمقايضات والمناورات.. من نوع أن ينخرط تماماً في تفاهم أو اتفاق (سمّه ما شئت) أميركي – روسي لطرد أو تحجيم إيران ودورها وتمدّداتها في سوريا في مقابل بقائه في منصبه! والله أعلم!