محمد السلمي 

يستحق العراق أن يعود إلى صورته التي تليق به وبتاريخه وبثقافته وبكبريائه، تلك الصورة التي يحاول نظام الولي الفقيه أن يمحوها بكل طاقته وأذرُعه وسياساته

تزخر صفحات التاريخ البعيد والقريب بتفاصيل العلاقة بين العراق وإيران، ما بين توتُّر واضطراب، ومعاداة واعتداء، سواء قبل الثورة الإيرانية وبعدها. وإذا تأمّلنا صورة العراق في العقلية الإيرانية على مدى عقود طويلة فسوف نجدها شديدة السلبية، بل يرى الإيرانيون العراق رمزًا للشر والحقد والكراهية، خصوصًا إذا كانت ممتزجة في الوجدان الإيراني بذكريات حرب السنوات الثماني، وما روَّجَت له الآلة الإعلامية الإيرانية، منذ قيام الثورة الإيرانية، حتى الاجتياح الأميركي للعراق في عام 2003، وخلال تلك الفترة ترَسَّخَت تلك الصورة السلبية للعراق في أذهان الأجيال الإيرانية الصاعدة، التي أصبحت تشكّل الآن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني. 
ومنذ سقوط صدام حسين، أخذ النظام الإيراني يعمل على استغلال الأوضاع المتردّية في العراق، لتنفيذ ما له من مشروعات سياسية وأجندات توسُّعية في المنطقة، مستغلًّا في ذلك الفراغ الأمني العراقي، والتوتُّرات السياسية، مرسّخًا بذلك وجوده في العمق العراقي، عن طريق استغلاله بعض السياسيين الذين قدموا من طهران، أو الذين ارتبطوا بأحزاب وتكتلات سياسية عراقية تُدار من إيران.
يمكننا ببساطة أن نقارن بين الأوضاع في العراق في فترة صدام حسين وفترة التدخُّل الإيراني في ظل ضَعْف النظام في العراق بعد 2003. فعلى الرغم من ديكتاتورية صدام كان المواطن العراقي يشعر بالأمان إذا خرج من بيته، ويعلم أنه سيعود إليه، كما أنه لم يكُن يهتمّ بالانتماءات المذهبية، ولا يعيش حالة من الصراع الطائفي في مجتمعه. كذلك كان المواطن العراقي يضمن عملًا يعُول به عياله وأهله، ويعلم أن النظام الحاكم يكفل له عيشة
طيبة لا تتوافر في كثير من البلدان المحيطة به، وتعليمًا مناسبًا لأبنائه.
أما اليوم في ظل التدخُّلات الإيرانية وهيمنتها على الحياة السياسية وقسم كبير من الحياة الاقتصادية في العراق، فإن العراق يعيش أسوأ مراحل تاريخه الحديث على الأصعدة كافة، التنموية والسياسية والاقتصادية والأمنية، وقد انتشرت فرق الموت وميليشيات الدمار والخراب في المدن، وعاد إلى الداخل العراقي مَن كان يومًا يقاتل في صفوف الجيش الإيراني ضدّ وطنه العراق، بل وتَسنَّم بعضهم مناصب قيادية في بعض المؤسسات الحكومية وفرق الحشد الشعبي، والأخطر من ذلك أن انتماء هؤلاء لا يزال لإيران، لا لوطنهم، وقد سُئل أحدهم: «في أي صف ستقف إذا اندلعت حرب بين إيران والعراق؟»، فجاءت إجابته مباشرة وسريعة: «سأقف في الجانب الإيراني مع نظام الولي الفقيه»!
كما يرجو كثير من العراقيين، نرجو نحن أشقاء الشعب العراقي، الذين نتشارك معه الدم واللغة والثقافة والجغرافيا والتاريخ والمصير، أن يعود العراق كما كان، بلدًا قويًّا ذا سيادة وقرار مستقلّ، يخدم أهله، ويليق بتاريخه وشعبه الأصيل، لا يحابي أحدًا، عربيًّا كان أو فارسيًّا، يهتم بمصلحة الوطن وبناء الإنسان العراقي، لا يكون مسرحًا للصراعات والاستقطابات وتنفيذ الأجندات الطائفية والمشروعات التوسُّعية الهدَّامة التي ينشرها أعداؤه في أرضه.
لا يخفى أنه في ظلّ الأمر الواقع والظروف التي يعيشها العراق في الوقت الراهن، فإن الأمر في غاية الصعوبة، ولكننا نعلم يقينًا أنه ليس مستحيلًا، وأنه يحتاج إلى إرادة رسمية ودعم شعبي وتكاتف للجهود بين أبناء الشعب العراقي بأطيافه ومكوناته كافة، التكاتف الذي يكفي لإفساد جميع المخططات والمشروعات الإيرانية لاستغلال العراق ومقدَّراته، ويضمن للعراق وشعبه استقلالًا في القرار السياسي والعمل الوطني.
يستحق العراق أن يعود إلى صورته النمطية التي تليق به وبتاريخه وبثقافته وبكبريائه، تلك الصورة التي يحاول نظام الولي الفقيه أن يمحوها بكل طاقته وأذرُعه وسياساته، صورة العراق المستقل بقراره، مكمِّلًا امتدادَه العربي، دولة قيادية في العالَمَين العربي والإسلامي، بما تملكه من قُدُرات وإمكانيات وموقع جغرافي مهمّ، وتاريخ وأصالةٍ جذورُهما ضاربةٌ في أعماق التاريخ.