فهد الدغيثر

كما إن الاقتصاد السعودي بمكوناته والأداء العام وأقصد بذلك أداء الحكومة، في حاجة إلى تحول كبير في الآليات والأدوات، ولهذا تم الإعلان عن التحول الوطني والرؤية، فموضوع مواجهة البطالة هو الآخر قصة كاملة ومرهقة، ولم تنل نصيبها من الاهتمام العملي المطلوب. لا يكفي أن نقول إن تدفق الاستثمارات الجديدة سيخلق الوظائف، وهو سيخلق وظائف بلا شك، ولكن مساهمتها في مواجهة البطالة التي تتضخم يومياً لدينا ستكون جزئية. كما لا يمكننا أن نقول إن ضعف مخرجات التعليم سبب رئيسي من أسباب البطالة، وإن كان ذلك جزئياً صحيحاً أيضاً. الحقيقة أن حض الشباب والشابات على الانخراط في سوق العمل ومنافسة أكثر من ١٢ مليون أجنبي وأجنبية ويزداد عددهم كل عام في حاجة إلى تطوير آليات جديدة وغير مسبوقة.

معاناتنا مع البطالة ليست وليدة اليوم، وملايين الأجانب لم يهبطوا على السوق السعودية دفعة واحدة، ولم يتغلغل بعضهم في مناصب مهمة في مؤسسات القطاع الخاص المتوسطة بين يوم وليلة. سبب تمكنهم في الواقع هو تجاهلنا ولعقود متعددة أهمية العمل، وإهمالنا خلق البيئة المواتية المشجعة على انخراط شباب وشابات المملكة في هذا النوع من المنشآت. نعمَ المؤسسات العملاقة، فلم تنتظر أحداً، وعملت بحسها الوطني واستشعارها للمسؤولية على جذب السعوديين والسعوديات، وتكفلت بصقل مواهبهم وتدريبهم على حسابها الخاص. لهذا السبب لا نرى في الإدارات العليا في «أرامكو» و «سابك» و «معادن» على سبيل المثال وليس الحصر، أجانب.

اليوم وبعد أن تحولت البطالة إلى همٍّ وطني وأمني وعبء على المجتمع والاقتصاد، انصبّت الجهود نحو فرض سعودة القوى العاملة بالقوة، وأخيراً توجهنا نحو رفع كلفة الأجنبي بحيث يتساوى راتبه الشهري مع الراتب الذي يتطلع له الشاب السعودي. فعلنا ذلك وقد نفعل المزيد، لكننا لم نجرب إجراء دراسة نفسية اجتماعية لتقييم قابلية السعوديين نحو العمل في القطاعات المتوسطة المتنوعة، وفي مهن ومسؤوليات جديدة لم يعتادوا عليها، كي نحفزهم على الانخراط بها.

وأكرر هنا، التعليم وحده ووجود معاهد فنية وكليات ودورات خارج مقر المنشأة أو المؤسسة وحدها لن يدفع الملايين للالتحاق بسوق العمل وقد جربنا ذلك. الحل هنا ومعظم دول العالم المتقدم تتبناه، هو التدريب على رأس العمل وليس بعيداً عنه.

ماذا لو تقدمنا ببرامج تحفيز كبيرة ومبتكرة للشباب والشابات وللمؤسسات التي تنجح في التدريب والاحتفاظ بالموظف السعودي؟ ماذا لو أن الدولة وضعت برنامجاً وطنياً علمياً (مسابقة) يحمل مسمى جائزة الملك سلمان لأفضل ألف موظف وموظفة من السعوديين ولأفضل مئة مؤسسة نجحت في التدريب والتوظيف. هذه هي المبادرة التي وضعتها عنواناً لهذا المقال. لنستثمر بليونين أو ثلاثة بلايين ريال كل عام في هذا البرنامج، ونمنح منزلاً مجانياً لأفضل ٥٠٠ موظف، ومعونة مادية بكلفة أقل قليلاً من كلفة المنزل للبقية. ليس ذلك فقط، بل ونمنح المؤسسات والمنشآت التي نجحت في التدريب والاحتفاظ بالموظف في ما بعد مزايا وحوافز في الاستقدام، وخفضاً مئوياً في تكاليف الطاقة، وتغطية كلفة التدريب ونحو ذلك لمدد مغرية.

أنا هنا أتحدث عن الحض على تطوير مفهوم التدريب على رأس العمل والدعم المعنوي، ولنتذكر أن نجاح قطاع البنوك والاتصالات والبتروكيماويات وغيرها في توظيف السعوديين يكمن في الدرجة الأولى في نوعية وجودة برامج التدريب السخية التي تقدمها هذه المنشآت للموظفين الجدد، أو بعبارة أخرى الاستثمار في العقول والبشر. على العكس من ذلك تماماً، فالمؤسسات المتوسطة والصغيرة التي يفترض أن تحتوي على الغالبية العظمى من أبناء وبنات الوطن ومن دونها لن نقلل من نسب البطالة، لا تكلف نفسها هذه الأعباء الإضافية، وربما لا تستطيع فعل ذلك بالمستوى المنشود، ولذلك لا يجد السعودي الفرص ليطور مهاراته، وبالتالي لا يلتحق بها.

مع مسابقة وطنية ضخمة كهذه، ولا أرى أي مشكلة في الاستعانة بالمؤسسات الاستشارية الكبرى في تصميم وإدارة وضبط التحكم في القياس والتقييم، مع هذه المبادرة نحتاج إلى حملة علاقات عامة مصممة بذكاء وخالية من المبالغة والابتذال. نحتاج إلى إبراز سيرة واقعية لمن شق طريقه بنجاح في العمل بالصوت والصورة عبر وسائل الإعلام، ونصنع من هؤلاء نجوماً للوطن. لا بد من إلقاء الضوء على البدايات الصعبة والمرهقة، وما أكثر هؤلاء بالمناسبة، لكن لا يعلم عنهم أحد.

تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث عن كل المهن إذ لا فرق بين مهندس جديد وعامل جديد في مطعم مثلاً والجميع مرشح بدرجة متساوية لنفس الجائزة.

نحتاج في ختام هذه المسابقة والتي ستصبح سنوية، إلى إقامة حفل وطني كبير برعاية من تسمى الجائزة باسمه، وهو والد كل المتسابقين الملك سلمان، الذي سيفرح بلا شك بزف هؤلاء المتفوقين في مركز الملك فهد الثقافي في مساء لن ينساه أبناء وبنات هذا الجيل. نشر ثقافة العمل بالأصول والمعايير المطلوبة مع هذا التحفيز الكبير والاحتفاء الإعلامي الجماهيري هو ما نحن في أمسّ الحاجة إليه.

لعلنا نضيف هنا مقولة مهمة للأمير محمد بن سلمان ولي العهد وعرّاب رؤية الغد، الذي وعد بأن تتقلص البطالة إلى ٧ في المئة‏ في العام ٢٠٢٠، وذلك في مقابلة له مع محطة أجنبية: «إن الشرط الأساسي والجوهري للإصلاح هو رغبة الشعب في التغيير». وأضاف: «الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إذا ما كان الشعب السعودي غير مقتنع، وفي حال كان الشعب السعودي مُقتنعاً، فالسماء هي الحد الأقصى للطموحات».

قناعات الشعب السعودي والتغيير المنشود تعني عملياً من بين عوامل أخرى، انخراط الشعب في سوق العمل، والمساهمة في البناء بتفانٍ وحماسة، وليس مجرد تأدية واجب أو لغرض الاكتفاء الذاتي للفرد. وضع مسابقة وطنية كبرى كما أشرت سيحدث «ثورة» حميدة في عقول الشباب، وسيدفع بالملايين إلى الانخراط في جميع المهن، ثم البحث عن التميز والابتكار لنيل شرف الفوز الكبير. إن لم نصل إلى هذا المستوى فسيصبح رقم عدد السكان عبئاً ثقيلاً جداً على الوطن.

ختاماً أتمنى مواكبة الأنظمة الحكومية لمثل هذه المبادرات، واستعدادها ومرونتها لتقبل طلبات مشابهة قد يتم الأخذ بها على مستويات المدن والمحافظات وبرعاية الأهالي والتجار وإن بجوائز اعتبارية. الاكتفاء بالبكائيات والمحاضرات والخطب والندوات والتنظير وما يسمى بالحملات في وسائل التواصل وفرض السعودي بالقوة لن يحل المشكلة. أمامنا ملايين الخريجين والخريجات الذين تزفهم الجامعات والمدارس كل عام، وما لم نمنح الموضوع الأهمية اللائقة والتصميم، ونحطم الحواجز النفسية التي قد تقف عائقاً أمام قبول بعض الأبناء هذه المهنة أو تلك، فلن نتمكن من ضم ٣ ملايين سعودي وسعودية جدد في هيكل الاقتصاد الكلّي قبل عام ٢٠٢٠، وهذا الرقم تحديداً هو المطلوب لخفض النسبة إلى ٧ في المئة.