أليستر بيرت

ما نمر به من أيام عصيبة يجعلنا نتذكر دائما ما يهمنا ومن هم أصدقاؤنا. لقد كان الهجوم الإرهابى الغاشم فى برشلونة الأسبوع الماضى بمنزلة رسالة تذكيرية بغيضة للتهديد الذى يواجهه الأبرياء من البشر فى جميع أنحاء العالم. ففى بريطانيا ومصر كذلك، أصبح لزاما ً علينا أن نتعايش مع تلك الهجمات غير الإنسانية فى مانشستر، لندن، ألمانيا وفى أماكن أخري. لقد تأثرت كثيرا، كوزير بريطانى لشئون الشرق الأوسط، بمشاعر الحب والتضامن التى أظهرها الشعبان البريطانى والمصرى لبعضهما البعض ولكنى لم أتفاجأ بذلك. 

خاض البلدان حربهما ضد الإرهاب لأكثر من أربعين عاما، وما لم يتغير أبدا هو الكفاءة المهنية والتعاطف والتراحم والصمود فى ردود أفعال الشعبيْن، وما لن يتغير أبدا ً هو التزامنا الراسخ بأن نضرب بيد من حديد من أجل القضاء على الإرهابيين كما تمكنا من إبادتهم فى الأجيال الماضية. وفى كل من سيناء وسوريا وإسبانيا وبريطانيا، نواجه الأعداء ذاتهم. ولكنى أعرف الشعب البريطانى وأعرف كذلك الشعب المصري: لن نستسلم أبداً. 

ومع ذلك، فإن التهديد الإرهابى آخذ فى التطور، وهذا ما يستدعى تغيير استجابتنا كذلك، فكما تمكنا من إخراج داعش من سوريا والعراق، فإننا نرى الآن محاولات يائسة ومستميتة لتحفيز الهجمات الإرهابية فى مناطق أخرى من العالم، ولذلك، تسعى بريطانيا إلى تقوية أجهزتها الأمنية أكثر من أى وقت مضي، واستطاعت إجهاض ثمانية عشر هجوما ً إرهابيا ً فى أربع سنوات، فضلا عن إلقائها القبض على 1500 من المطلوبين بتهم تتعلق بالإرهاب منذ عام 2010، ولكن يتعين علينا أن نبذل ما هو أفضل من ذلك، لذا قامت أجهزتنا الأمنية بتعيين 1900 متخصص جديد فى مجال مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تعيين أكثر من 1000 عنصرٍ فى الشرطة المسلحة، كما نعمل على مراجعة سلطات الشرطة واختصاصاتها والأحكام القضائية بحق الإرهابيين لضمان أن قوانيننا تمنحنا الأدوات التى نحتاجها، علاوة على ذلك، سنسعى إلى جعل الإجراءات الأمنية فى المطارات أصعب وأشد مما كانت عليه فى أى وقت مضي. 

لا تقتصر هذه الجهود فقط على تأمين بريطانيا فحسب، بل إننا لن نترك مصر والدول المجاورة لها وحيدة فى مجابهة الإرهاب، فقد أرسلت القوات البريطانية المئات من البعثات العسكرية لتحرير العراق وسوريا من قبضة داعش، وبمجرد تشتت شمل الإرهابيين، سنقود كل الجهود الدولية الرامية لتعقبهم وتجفيف منابع تمويلهم، وبمشاركة جهازى الشرطة والجيش بمصر، تعمل القوات البريطانية على تبادل الخبرات فى التصدى للقنابل المزروعة على جوانب الطرق وحماية المدنيين، كما نحرص على وصول المعدات الحيوية مثل إرسال قطع غيار للطائرات المروحية إلى سيناء. 

وعلى الرغم من ذلك، لا تكفى الإجراءات الأمنية الصارمة وحدها لمواجهة هذه الظاهرة، فلا بد أن نقضى على شريان التطرف المغذى للإرهاب، ويتجلى ذلك بوضوح فى دعوة كل من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى إلى وضع منهج شامل لاستئصال جذور الإرهاب الذى يعد أحد أكبر التحديات فى عصرنا الحاضر. 

لا يمكن التسامح مع التطرف أكثر من ذلك، فى ظل أننا نحترم على حد السواء حقيقة أن المجتمعات ذات الآراء والمعتقدات والثقافات المختلفة تستطيع العيش فى سلام جنبا إلى جنب. 

سنواجه كل من يدعى أن الدين الإسلامى لا يتماشى مع الحياة السلمية فى المجتمع البريطاني، سنواجه كل من يسعى إلى نشر الكراهية وإنكار حقوق الناس نتيجة اختلاف أديانهم أو إنكار حقوق المرأة، فنحن نستطيع ذلك بل وسنقوم بذلك ضمن إطار متين يكفل حماية حقوق الإنسان. إن فرض الإجراءات الأمنية المشددة لا يعنى تجريد الإنسان من حقوقه، بل يعنى اتخاذ الإجراءات الصارمة لحماية القيم والحقوق وسيادة القانون فى بريطانيا من بطش المتطرفين. 

وبالفعل قمنا فى السنوات الأخيرة بحظر 110 متطرفين أجانب من دخول المملكة المتحدة، وجردنا 155 متطرفا من جوازات سفرهم البريطانية حتى لا يتمكنوا من العودة، واعتقلنا أيضا عددا ًمن المتطرفين مثل أنجم تشودرى ورحلنا آخرين من البلاد مثل أبو قتادة وأبو حمزة. 

وفى الفترة الحالية، يحتل الالتزام بتضييق الخناق على الأيديولوجيات المتطرفة واجتثاث الملاذ الآمن للمتطرفين الصدارة فى أجندة الحكومة البريطانية، وستحشد اللجنة الجديدة الحكومة والمجتمع ضد الإرهاب، ويجرى حاليا تدريب المعلمين وموظفى الخدمة المدنية للتعرف على المتطرفين والتصدى لهم فى مؤسساتنا، وتعكف الحكومة فى تقرير مستقل على التحقيق فيما إذا قد أُسيء استخدام تعاليم الشريعة لتقويض سيادة القانون، وتعمل اللجنة المعنية بالمؤسسات الخيرية على تسخير موارد جديدة لمنع جمع التبرعات لصالح الأعمال غير المشروعة، كما صدرت توجيهات للشركات الإعلامية بوقف بث خطابات المتطرفين المحرضة على الكراهية. 

وأصبح فى بريطانيا الآن أى شخص، فى أى منظمة، يثبت تحريضه على الكراهية وتسامحه مع أو دعمه أو تبريره للإرهاب مخالفا للقانون ومعرضا للملاحقة القضائية والعقاب، وهذه الرسالة موجهة أيضا إلى الإخوان المسلمين. 

إن موقف الحكومة البريطانية، كعضو دائم فى مجلس الأمن، بعد التقرير المعد عن الإخوان المسلمين عام 2015 يعد أقوى البيانات الرسمية حُجِّيَّة عن هذا التنظيم، وقد كانت بريطانيا ضمن الدول التى لم تحظر جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم عالمي، ولكن هذا التقرير قد طعن للمرة الأولى ادعاءات الإخوان المسلمين بأن ليس لديهم أى علاقة بأعمال العنف، ونبه هذا التقرير إلى أن تنظيم الإخوان يعد مؤشرا للفكر المتطرف المحتمل، ويتضح ذلك جلياً من تناقض أفكار وأنشطة الإخوان المسلمين مع القيم والمصالح البريطانية. 

تعمل بريطانيا فى الوقت الراهن على تنفيذ الإجراءات التابعة لمحتوى التقرير، وعلى الرغم من عدم استيفاء الأدلة للحد الذى يفضى إلى حظر التنظيم، إلا أنه سيتم فرض رقابة مشددة على سلوك جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتهم بما فى ذلك طلبات استخراج التأشيرات لهم، مصادر تمويل الجمعيات الخيرية، وعلاقات التنظيم الدولية، وتعد بريطانيا الآن واحدة من الدول القليلة فى العالم التى حظرت جذريا أى اتصال لها بجماعة الإخوان من عام 2013. 

ومن خلال رصدنا لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، أصبح من الواضح فعلاً أن هذا التنظيم يلجأ إلى استخدام الغموض لإخفاء أجندته المتطرفة فى مصر. 

إن أساليب المراوغة التى يمارسها التنظيم والتى رصدها معدو التقرير البريطانى عام 2015 مازالت مستمرة فى عام 2017. لقد آن الأوان لكل من يدافع عن الإخوان المسلمين فى لندن أو القاهرة أن يضع حدا لهذا اللبس والغموض. 

ما سبق يقودنا إلى سؤال من يدعم التنظيم: هل ستتجاهلون حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين يفشلون فى أحد أكبر تحديات عصرنا الحاضر؟ أم ستفضلون الانضمام إلى بريطانيا ومصر فى إدانتهما هذا الفكر المتطرف المسموم أينما وُجِد؟