رياض نعسان أغا

لأول مرة تلتقي أطياف المعارضة السورية المتباعدة في حوار صريح وجاد دعت إليه الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل مؤتمر الرياض وكان جامعاً لقوى الثورة والمعارضة، ولم تحضره منصة موسكو التي ظهرت برؤية مختلفة عن رؤية مؤتمر الرياض نحو الحل السياسي. أما منصة القاهرة فلم تكن الهيئة العليا للمفاوضات بعيدة عنها، لأن عدداً كبيراً ممن حضروا مؤتمري القاهرة انضموا إلى مؤتمر الرياض ووقعوا على بيانه الشهير، ولكن خصوصيات في الآراء لدى زملائنا في القاهرة استدعت أن يظهر نوع من التباين الطفيف في الموقفين رغم أنهما يتفقان في المنطلق وفي الهدف، وهذا وضع طبيعي في مفاهيم التعددية عامة.

وقد أتيح لي أن أشارك في لقاءات الرياض مع منصتي موسكو والقاهرة، وأن أتعرف مع زملائي في الهيئة العليا إلى ممثلي منصة موسكو، وأن نجلس معاً إلى طاولة حوار وطني يبحث عن رؤية مشتركة للحل السياسي المنشود، ولمستقبل بلدنا. وكنا نبحث عن المشتركات بيننا قبل البحث عن نقاط الخلاف، لأن مساحة المشترك الوطني أوسع من مساحة المختلف حوله، فنحن متفقون حول المبادئ الكبرى المتعلقة بوحدة سوريا أرضاً وشعباً، وبالحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى الأمن والاستقرار خشية حدوث أية فوضى في المرحلة الانتقالية. وعلى أن يكون بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة وأهمها القرار 2254 مرجعية للمفاوضات.

 وأما الاختلاف بيننا وبين منصة موسكو فينحصر في نقطتين أولاهما اعتبار منصة موسكو أن إصرار الهيئة العليا على رفض أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية وفي مستقبل سوريا هو شرط مسبق (وهذا موقف روسيا المعلن)، وثانيهما إصرار منصة موسكو على أن يستمر العمل بدستور 2012 في المرحلة الانتقالية، بينما ترى الهيئة العليا أن هذا الدستور لا يصلح أن يكون مرجعية للانتقال السياسي، ولابد من إعلان دستوري، تليه مرحلة الإعداد لدستور جديد يقره الشعب السوري.

وللأسف انتهت اللقاءات دون التوصل إلى اتفاق، وقد أعلنا أن الحوار سيستمر حتى نصل إلى رؤية موحدة، تسمح بتشكيل وفد موحد، في حين طلبت منصة موسكو تشكيل وفد (واحد غير موحد) وهذا ما يجعل فريق التفاوض مشتت الرؤى، ومتناقض المطالب.

وما يدفعني إلى الإفصاح عما دار في اجتماعاتنا في الرياض ضرورة مصارحة الشعب بكل ما يدور حول قضيته، فهو المرجعية الكبرى لرؤية المستقبل السوري، وقد سبقنا إلى ذكر التفاصيل متحدثون باسم منصة موسكو قدموا الوقائع من وجهة نظرهم، وهناك من اتهم الهيئة العليا بأنها كانت معوّقة للاتفاق، وهذا يفترض أن من لا يوافق على رؤية منصة موسكو فهو يشكل عائقاً وربما يسمى متشدداً وغير معتدل.

إن إصرارنا على ألا يكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية هو استحالة أن يقبل الشعب بأن يكون هذا الانتقال المنشود من عهد الأسد إلى عهد جديد للأسد، وأن تصير مهمة المعارضة منح الأسد شرعية جديدة، ونحن لا نرى الحديث عن رحيل الأسد في المرحلة الانتقالية شرطاً مسبقاً، فهو صلب موضوع التفاوض، وقد قامت الثورة تطالبه بالإصلاح (ونحن شهود المرحلة) ولكنها تحولت إلى ثورة ضده منذ أن أمر بقتل المتظاهرين. وثمة استحالة واضحة في إمكانية ومصداقية أن يقود الأسد ذاته مرحلة انتقال سلطته إلى التغيير الكامل والشامل والعميق، وأن يؤسس للديموقراطية وللحرية والكرامة وهو الذي دمر سوريا وشتت شمل شعبها وهو يفخر اليوم بأن النسيج الاجتماعي فيها صار أفضل بعد أن هاجر أكثر من ثلثي الشعب، وبعد مليون شهيد ومقتول ومئات الآلاف من المعتقلين والمعوقين وبعد دمار المدن الكبرى في سوريا، وبعد أن استقدم الاحتلال إلى سوريا، وأفقدها السيادة.

إننا ندرك أن هناك متغيرات دولية تفترض انحناءة أمامها، ولكننا لا نملك حق التنازل عن أهداف الشعب، والمتغيرات قابلة لأن تتغير أيضاً، وقد أسعدنا أن تكون منصة القاهرة أقرب إلينا، مع حرصنا على أن يتفهم الإخوة في منصة موسكو دوافع موقفنا، ونرجو أن نقترب معاً من رؤية مشتركة تسمح بتشكيل وفد موحد، وأن يكون هدفنا إنقاذ سوريا وليس إنقاذ الأسد وضمان استمرار رئاسته، ونظراً لفقدان الثقة فإن الهاجس الذي يخشاه شعبنا هو أن تبدأ التنازلات خطوة خطوة، فيطلع علينا من ينادي بحق الأسد في الترشح لانتخابات الرئاسة وبيده كل القوى أمام شتات من تنافس المرشحين الضعفاء، وأن نجد سوريا أخيراً، لاسمح الله، لقمة سائغة في فم المشروع الفارسي الذي يحلم بالاستيلاء على مقدرات الأمة كلها.