غياث الحاج

 كشفت الحلقات السابقة، المجموعات التي تشكّلت حول المالكي، والتي تألّفت من أفراد عديمي التجربة السياسية، وفاقدي المهارات القيادية والتنظيمية، فضلا عن إن قسما منهم ذو خلفيات بعثية، حيث تمكنت هذه المجموعات من تشكيل حلقة مُحْكمة حول المالكي، تسيّر قراراته وتجعله مقتنعا بما لديها من وجهات نظر، تجاه الأشخاص، والأحداث، على حد سواء. وأبرز هذه المجموعات هي “مجموعة الابن احمد” التي تشكلّت بعد مرور عدة سنوات من رئاسة المالكي للحكومة، و”مجموعة أتباع المالكي”.

فبعد سيطرة “مجموعة الابن أحمد”، على مكتب رئاسة الوزراء، والتمدد نحو مفاصل الدولة، بدأ التفكير ينصب على سحق وضرب كل المنافسين للمالكي، سواء كانوا داخل الحزب، أو من ائتلافه أو منافسيه السياسيين، واشتركت “مجموعة أتباع المالكي” كذلك في نفس الهدف، فقد كانت المجموعتان تهدفان الى إضعاف وكسر شوكة جميع منافسي المالكي الآخرين.

الأخطاء الثلاثة

وأوردت الحلقة السابقة عوامل ثلاثة صنعت سياسات المالكي في ولايته الثانية، أنتجت أخطاءً أنهت حلم الولاية الثالثة، فقد أدى الاعتماد على “الابن أحمد” وعلى الموالين من المجموعات الآنفة الذكر، يصاحبها غياب كوابح حزب الدعوة الاسلامية التي تتصدى لطموحات المالكي الشخصية، الى وقوع رئيس الوزراء في ذلك الوقت، في أخطاء قاتلة، عجّلت من نهاية حلم الولاية الثالثة، وأدخلته في نفق مظلم، صعُب الخروج منه، فيما بعد، مثلما اتّضح لاحقا.

وأبرز هذه الهفوات والأخطاء، ما يلي:

الخطأ الأول: معارضة المالكي لموقف المرجعية

رفضت المرجعية، بعد مظاهرات العام 2011، أن يكون لرئيس الجمهورية، ثلاثة نواب، وقد صرحت بذلك في خطبة الجمعة، ما أوقع المالكي في أزمة بين طموحات حليفه خضير الخُزاعي (الشخصية النرجسية المهووسة بالمناصب)، الذي هدّد بخروجه من ائتلاف دولة القانون، ما لم يتسلم منصب نائب الرئيس، وبين مطالبة المرجعية.

وفي غمرة البحث عن حل لهذا المأزق، فان العضو في حزب الدعوة، حسن السنيد، – وكان مفوّضا باسم المالكي، ويُطلق عليه أقطاب المالكي صفة (الكذاب) – اقترح عليه العمل على إسكات الخزاعي، وعدم الاكتراث لتوجيهات المرجعية.

ولم يكتف المالكي بعدم الاكتراث فحسب، بل تمادى في “التجاوز” على المرجعية حين انتقد مطالبها في مؤتمر صحفي، الأمر الذي دفع الى توتير العلاقة معها بأكثر مما كانت عليه.

وحين شعر المالكي، بأن عدم رضا المرجعية عنه، سيُفقده الكثير من الدعم، والرصيد السياسي والشعبي، اندفع الى تسوية الأمور معها، وتهدئة الموقف، فأرسل الشيخ الآصفي لتنقية الأجواء، لكن محاولاته باءت بالفشل.

الخطأ الثاني: رافع العيساوي والابن أحمد

كانت علاقة المالكي، بالسياسي “السني” رافع العيساوي “جيدة” ومتميزة و”ودية” ، فقد كان المالكي يعتمد على رافع العيساوي لما وجد فيه من شخصية سنية مهمة، كما ان العيساوي وقف مع المالكي إبان الأزمة مع طارق الهاشمي، حتى باتت شخصية العيساوي هي الشخصية السنية الأولى في السلطة، والمقرّبة من الأمريكان والبريطانيين.

لكن الذي غيّر هذا المسار، هو طموحات “الابن احمد”، في التمدّد الى مفاصل الدولة وبناء إمبراطورية مالية، لكنها طموحات وجدت نفسها على صِدام مع وزير المالية وقتها، رافع العيساوي، الذي وقف بوجه توسّع نفوذ ابن المالكي، ما دفع الأخير الى العمل بكل قوة على إقصاء رافع العيساوي عن منصبه، عبر استثمار أزمة “حمايات العيساوي”.

أهداف الابن احمد

أبدى الابن احمد رغبة عارمة في السيطرة على وزارة المالية، لتحقيق الأمور التالية:

الهدف الأول: السيطرة على عقارات الدولة (من مسؤولية وزارة المالية) ومن ثم إعطائها لمستثمرين يحققون أرباحا خيالية، وبالفعل سيطر الابن أحمد على الكثير من العقارات في المنطقة الخضراء، واحتكر مردودها عبر تأجيرها الى الشركات الأجنبية.

بل إن الابن احمد تمادى اكثر من ذلك، فحاول السيطرة على مقر حزب الدعوة العام (الواقع في مطار المثنى) وبطريقة ملتوية، لكن محاولته فشلت بسبب ذكاء أحد القياديين وامتلاكه المستندات التي تثبت استئجار المكان من الدولة، بشكل رسمي.

بعد النجاح في إزاحة العيساوي، تمكّن الابن احمد ومجموعته من إنجاز مشروعهم في السيطرة والتمدد في النفوذ، وكان من تداعيات ذلك، ان الكثير من العقارات المهمة أصبحت تحت نفوذهم.

الهدف الثاني: سال لعاب الابن احمد ومجموعته على وزارة المالية، المسؤولة عن إعطاء قروض للمستثمرين، أصحاب الديون المتراكمة على الدولة، والذين كانوا يعطون نسبة من الأموال المستحقة على الدولة، كرشاوى او عمولات، لكي يتم صرفها لهم، وكان الابن احمد ومجموعته في صراع دائم مع العيساوي حول هذا الموضوع.

وعلى طريق التخلص من العيساوي، بدأ الابن احمد يتربص به، الأمر الذي تسبّب في تضرّر علاقة العيساوي مع المالكي، فقد بدأ الابن احمد ومجموعته “يسمّمون” الأجواء بينهما، من خلال معلومات “مضلّلة”، جعلت المالكي يقتنع بان العيساوي بات يعمل ضده ويتحرّك لإزالته.

وقد تهيّأت الأجواء للابن احمد للتصعيد، مستغلا أزمة حماية العيساوي، الذي كان في الأنبار في وقتها، فدفع الابن احمد برئيس مديرية الاستخبارات العسكرية في ذلك الوقت، حاتم المگصوصي الى توجيه اتهام لحماية العيساوي، بدعم الإرهاب، الأمر الذي استفز العيساوي، ولم يكن المالكي على علم، بتفاصيل ما حدث للعيساوي وبالتالي لم يكن المالكي هو صاحب القرار في مهاجمة وتفتيش بيت العيساوي، لكنه تبنى الموضوع بعد معرفته ان إجراءات المگصوصي كان بدفع من الابن احمد.

وهكذا فان الابن احمد، صاحب النفوذ المتزايد والطامح في الهيمنة، اقنع والده بخطورة العيساوي، وضرورة إبعاده عن الحكومة، وهو ما حصل بالفعل.

ولم يحسب المالكي، ولا الابن، النتائج السلبية لذلك، واهمها التصعيد مع المكون السني، ورفْع منسوب الفتنة الطائفية، فكان إبعاد العيساوي، الشرارة التي أشعلت الاعتصامات الذائعة الصيت في محافظة الانبار، ليتطور الأمر الى تعقيدات خطيرة في المشهد السني، انتهت بسقوط الموصل، ونهاية حلم الولاية الثالثة.

الخطأ الثالث: تهميش الشركاء

أقنعت المجموعتان المالكي بكونه رجل المرحلة والقائد الضرورة ولكي يحقّق المالكي انفراديته، ويكرّس نفوذ الابن والعائلة، اعتمد على سياسة تهميش شركائه السياسيين من الشيعة والسنة، فركّز على إضعاف دور غريمه الأساسي، المجلس الأعلى الإسلامي، متّخذا عدة خطوات تصعيدية ضده فكانت إجراءات المالكي الانتقامية ضد الشيخ محمد تقي المولى لضرب المجلس، وشجّعه على ذلك، انشقاق منظمة بدر عن المجلس، وتشنّج علاقة قادة المجلس بإيران.

وانهارت علاقة المالكي مع التيار الصدري لا سيما مع زعيمه مقتدى الصدر، الذي تبنى مشروع سحب الثقة من المالكي، وساهمت أطراف كثيرة، داخلية وخارجية، في إفشاله.

والى جانب ذلك، تعمّد المالكي إثارة الأزمات معتقدا انه سوف يديرها، على نحو يكرّس النفوذ والهيمنة والولاية الثالثة.

ولم تكن سياساته مستقرة وناضجة ناجمة عن دراسة وتخطيط، بل اتّسمت بروح الانفعال وردود الأفعال السريعة غير الموفقة، فلم يمض أسبوع، إلاّ وكانت الساحة السياسية، تعيش أزمة جديدة، بطلها المالكي ومواليه.

ومن خلف الكواليس كانت “مجموعة الابن احمد”، و”مجموعة اتباع المالكي”، تؤجّجان نار الفتنة والتصعيد.