مشعل السديري

 قد يستهجن القارئ الكريم من أمنيتي التي سوف أطرحها – أو بمعنى أدق قد يستسخفها – ويظن بعقلي الظنون، ومعه الحق في ذلك عندما يعلم أنني أتمنى لو كنت (قنديل بحر) – وتحديداً إلى ما يسمّى بـ(تيولا).

وهذا الكائن هو أعجب مخلوقات الله، خصوصاً إذا عرفنا أنه لا يشيخ ولا يموت ميتة طبيعية، فهو دائم التجدد، ودورة حياة أي فرد منه لا تتوقف.
فأولى مراحله هي: مرحلة عدم النضوج أو ما يسمى بطور (البواب) حين يكون قنديل البحر كائناً بسيطاً للغاية.
وبعدها: مرحلة البلوغ أو النضوج حين يستطيع هذا القنديل التكاثر وإنتاج قناديل بحر أخرى.
والطبيعي هو أن يمر أي قنديل بحر بمرحلة عدم النضوج ثم النضوج ثم الموت، لكن (تيولا) يستطيع أن ينمو بهذه المرحلة بالعكس، بمعنى أنه مجرد أن يصل لمرحلة البلوغ يستطيع العودة لمرحلة عدم النضوج مرة أخرى، ثم النضوج ثم عدم النضوج وهكذا، لذا لا يصل لمرحلة الشيخوخة أبدا وبالتالي لا يموت (بصورة طبيعية).
أما عن سبب هذه القدرة المدهشة فهي عملية بيولوجية تسمى (Transdifferentiation)، وتعني قدرة الكائن الحي على تجديد خلايا جسمه مثل بعض الزواحف حين تنمو أجزاء جسمها المقطوعة مجدداً، لكن كائننا العجيب الذي نتحدث عنه اليوم يستطيع تجديد جسمه بأكمله!
ويتكون 95 في المائة من جسم تيولا (مثل أي قنديل بحر) من الماء، وليس له دماغ ولا نظام هضمي! ويتراوح حجمه ما بين 4 - 5 ملم.
وقد حذر العلماء من غزو صامت لهذا الكائن الذي بدأ يتكاثر بصورة مخيفة في بعض المناطق.
وليس كل قناديل البحر تتمتع بهذه الميزة من التجدد، هو وحده (تيولا) الذي لا يشيخ ولا يموت ميتة طبيعية.
ولو أن العلماء استطاعوا أن يفكوا شفرة لغزه، ومن ثم لو استطاعوا أن يطبقوها على الإنسان لكانوا توصلوا لأعظم إنجاز في تاريخ البشرية.
تخيلوا شيخاً هرماً وصل إلى أرذل العمر، وإذا به فجأة ينفض جسده ويعود إلى مرحلة الطفولة، وبعدها تكر السبحة من الصبا إلى المراهقة إلى الشباب إلى الرجولة إلى الكهولة، ثم العودة مرة أخرى إلى نقطة البداية – و(يا قلبي لا تحزن).
وسبحان ربي الذي وزع حكمته وقدرته على خلائقه، فقد خص الإنسان على سبيل المثال (بعقله المبدع)، وخص بعض السلاحف بأن تعيش (300) سنة، وخص بعض الأشجار بأن تعيش آلاف الأعوام.
غير أن أمنيتي لم تكتمل بعد، لأنني أتمنى أن أكون أنا المخصوص (الوحيد) بهذه الميزة، لأني سوف أكون متابعاً للأجيال وهي تتعاقب أمامي، وأنا أضحك ملء شدقي.
أعرف أنها أمنية مستحيلة ومجنونة – وقد رفع القلم عن (المجنون).