صدقة يحيى فاضل

يستخدم مصطلح «فاشية» للدلالة على الأنظمة السياسية الديكتاتورية القمعية. وهي كلمة مشتقة من الكلمة الإيطالية (Facio) التي تعني: الصولجانات (المتحدة) التي كانت ترفع أمام حكام الإمبراطورية الرومانية، رمزا لسلطانهم الواسع. ولكن هذه الكلمة تعني الآن: حركة سياسية منظمة، غالبا ما تتجسد في حزب أو تكتل سياسي، لها نزعة تسلطية، كثيرا ما تتدثر بالقومية والوطنية. إنها حركة ديكتاتورية تسعى لتولي السلطة والاستئثار بها، وإقصاء كل من يعارضها... متخذة العنف والإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها، وفرض توجهها. وأصبح المراد بهذه الكلمة، منذ قيام الحزب الفاشي الإيطالي بزعامة موسوليني، عقب الحرب العالمية الأولى، هو الازدراء، في الغالب.

ومعروف أن قيام ونمو وتوسع أي تنظيم تكفيري جهادي إسلاموي (بمعنى: تنظيم يسيء تفسير الإسلام، ويستخدم الإرهاب لتحقيق هدفه في السيطرة والتسلط) يثير كثيراً من الاشمئزاز والقلق، وأيضا التساؤلات الحائرة. فأغلب هذه التنظيمات ليس لها من هدف سوى: القتل والتدمير، وإسباغ الظلامية على حياة ضحاياها، وإحالة حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وباسم الدين، والدين من كل ذلك براء. ولا يوجد شيء يمكن أن يشوه الدين الإسلامي الوسطي الحنيف، ويسيء إلى معتنقيه، أكثر من قيام تنظيم لا هدف إيجابيا له.. بل جل همه القتل والتدمير والانتقام والتشفي، وإعادة عقارب الساعة لقرون مضت.

لم نشهد، حتى الآن وفي معظم عالمنا العربي، تنظيماً متحضراً... حزبا سياسيا إسلاميا وسطيا يسعى لتولي السلطة، دون رغبة في استئثار بها، أو إقصاء لغيره منها. حزبا له برنامج معقول ومقبول، ويسعى للوصول إلى السلطة، أو إلى أكبر قدر ممكن منها، بالأسلوب السليم والصحيح... محترما رغبة الناس، وميول الغالبية منهم، وعبر صناديق الاقتراع وإبداء الرأي. لم تقم أحزاب سياسية ذات طابع ديني وسطي وعصري... تتنافس فيما بينها، وفيما بينها وبين غيرها، على أصوات ورضا الناس المعنيين ــ كما يحصل في الدول النابهة والمتقدمة، والقوية. حتى أكثر الأحزاب الدينية «الإسلامية» اعتدالاً، يلاحظ عليها الرغبة في الاستئثار بالسلطة ــ بكل الطرق الممكنة ــ وإقصاء من يختلفون معها في الرأي والتوجه. إنها «الفاشية الدموية»... وقد نمت وترعرعت في أغلب مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

***

وبسبب طبيعة هذه التنظيمات، وتوجهها الإرهابي البشع، وسلوكها السلبي الفظ، فإن قيام ونمو وتوسع معظم هذه التنظيمات يعني: خسارة للإسلام والمسلمين، وإضرارا بهذا الدين العظيم. الأمر الذي يجعل قيام هذه التنظيمات ــ بالضرورة – حدثاً مؤسفا ومشبوهاً... غالباً ما يكون وراءه طرف (أو أطراف) معادية للإسلام، وتعمل على تشويهه، وتشجيع كل قول أو فعل يسيء إلى هذا الدين ويسفهه. ولكن، لماذا نلوم الغير فقط، ونحن أصل الداء؟! أين هي الدول المدنية والعصرية المعتدلة التي تتيح لمختلف الأحزاب السياسية بها التنافس الحر والنزيه؟! لقد ثبت وجود أياد أجنبية معادية للأمة وراء قيام كثير من هذه التنظيمات الفاشية، رغم تظاهر المتآمرين باتخاذ مواقف عدائية، وأحيانا عسكرية، ضد هذه التنظيمات؟! ولكن الفشل السياسي المريع لمعظم عرب اليوم، يظل هو المسبب الرئيس لهذه الإشكالية الخطيرة، ولغيرها من الإشكاليات السياسية المعروفة الأخطر.

إن هذه التنظيمات الفاشية الإرهابية العبثية غالباً ما تنشأ وتنمو في البيئات غير المستقرة سياسياً... بسبب عدم توفر «عوامل» الاستقرار السياسي الحقيقي والفعلي بها... أو ما يمكن الإشارة إليه بــ«التخلف السياسي». لذلك، نجد أن التنمية السياسية الإيجابية هي أمر ضروري لمنع قيام ونمو هذه التنظيمات. وقبل ذلك، أو بالتلازم معه، لابد من خطاب إصلاحي ديني صحيح، يعيد للإسلام صفاءه، وينقيه من الشوائب الكثيرة التي ألصقت به، ويحمي المسلمين من الوقوع تحت سندان الأعداء، ومطرقة ضالين من بني جلدتهم، يقومون على هذه التنظيمات الكارثية.