بكر عويضة

 الفرح بالعيد هو أحد أقوى الردود على كل الذين أرادوا أن يُسوّدوا كل شيء بأعين الناس أجمعين. هنيئاً لكم، إذ تشرق شمس نهار عيدكم، عرباً ومسلمين، أياً هو العِرق والجنس، الدين والطائفة. ها قد أطل يوم الأضحى، ثاني أعياد دين حنيف، ساوى بين عباد الخالق، جمع الأعراق والأجناس والألوان تحت وارف ظلال المساواة والعدل.

ليس يفرّق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. أباح للمؤمنين والمؤمنات ما حُرِّم على أقوام سابقين. أحلَّ التمتع بالطيّبات، ودعا لإدخال السرور والفرح إلى بيوت الناس. لكن زُمرَ متنطعين ظنوا أن سواد راياتهم يبيح لهم تسويد حياة الناس، فأحلوا لأنفسهم قتل البهجة في قلوب البشر، وإطفاء بريق الحياة في العيون، بل وحرمان أطفال من براءة طفولتهم بدعوى تعليمهم فنون القتال، إنفاذاً لما زعموا أنه «جهاد»، وما هو إلا سفك دماء، وإزهاق أنفس بغير وجه حق، والأرجح أنهم ما خطّوا على تلك الرايات السوداء شهادتي الحق إلا تضليلاً للناس. أتراهم جاهلين، أو قل: متجاهلين، أن خالق آدم وحواء وذراريهما، ما كان مُتخذَ المُضِلين عبادَه عضداً. سبحانه، أليس هُوَ الأدرى والأعلم بمن ضلّ وبالمهتدين، أليس هو الرحمن الرحيم، بل أرحم الراحمين؟ بلى، فأنّى لزُمر «داعش»، وما شابهه، ما سبق منهم ومن سيأتي بعدهم، أن يزعموا أنهم جند الحق، عصبته، حزبه، كتائبه، وما شابهها من تسميات يسمون أنفسهم بها زيفاً، إغواءً، تسميماً لأجواء التعايش بين الناس كافة، تدميراً للبلاد وفتنةً للعباد، وهذه أشد سوءاً وضلالاً.

كلا، لن ينجح مختطفو الإسلام في فرض مزاعمهم ضد إرادة أكثر من مليار مسلم، ليس فحسب لأن ما بقبض أيديهم من الأرض هو في انحسار متواصل، إنما سوف يفشلون مثلما فشل سابقون لهم حاولوا تقويض الدين القيّم. حصل هذا عبر أزمان عدة، وبغير أرض، إن بالحروب أو خلال عصور سلم وعهود استقلال. هناك مَن حاول الهدم مِن خلال إفساد الناس بأفكار الضلال والتطرف، وهي الأخطر، بلا جدال. وهناك الذين حاولوا التخريب بإشاعة فساد الذمم كما لو أنه سلوك سوي، وما هو كذلك أبداً. الواقع أن ما أراده كلُ من تعمّد أن تشيع فواحش الرشوة كي تتسع الهوة بين جموع الفقراء وطبقة أثرياء أي طفرة، هو إرغام بسطاء الناس على القبول، أو التسليم، بما يُسمى - زوراً كذلك، مثل زور جماعات التنطع - «الأمر الواقع». بمعنى التوقف عن التطلع إلى تحسن مستوى العيش، إصلاح الحال، الطموح لتعليم الأنجال، وغير ذلك من تغيير ظروف الحياة اليومية إلى الأحسن، بدعوى أن حُسن إسلام المرء، يوجب عليه الاستسلام لما قُسِم له، فلا يجدّ ولا يجتهد لما هو أفضل. كلا، هراء، فما المسلم الجاد بخامل أو كسول. إنه، على العكس من ذلك، ليس يكف عن العمل والاجتهاد بغرض الارتقاء بأسرته ونفسه، ومن ثم مجتمعه ككل، نحو مستويات نهوض تتيح الانطلاق لمستقبل واعد بالنجاح على كل صعيد وفي الآفاق كافة.

المؤلم حقاً، أن يتكاسل بعض أهل العلم الفضلاء عن نزولٍ ضروري إلى ميدان المواجهة، سواء مع مروّجي مزاعم التطرف، أو ضد مسوقي الرشى وإفساد الذمم، أو لرد دعاوى القبول بمنطق «الأمر الواقع» تبريراً للخمول، على أعقابها خاسرةً لأنها تدعو، في الواقع، لخسران المجتمع ككل. هذا النزول مطلوب منذ زمن بعيد، وسوف يظل مطلوباً، بكل أرض وفي كل زمان. الغرض منه تمييز الطيّب من خبيث يتجاوز الحدود والأعراف والقيم لنشر خبائث الشر. والغرض كذلك، توضيح الفرق بين صحيح مُعترف به ومُجمع عليه من أغلب علماء الدين القيّم، وبين زيفٍ لا يتورع عن توظيف الصحيح لأجل فرض مزاعم الباطل. لقد استحق نبي الله إبراهيم، رحمة ربّه إذ استجاب للأمر فأوشك أن يضحي بولده إسماعيل عليهما السلام، فأضحى عيد الأضحى فرصة للتذكير بقيم التضحية والفداء. أما آن الوقت لأن يهب علماء المسلمين كافة في جهد دؤوب لا يتوقف، للفصل بين حق التكبير للخالق وبين قتل للأبرياء مصحوباً بصيحة «الله أكبر»؟
نعم، والحق أن المجتهدين بينهم كثر، إنما يظل الجهد المطلوب أكثر.