زاهي حواس

 أعلنت البعثة الإنجليزية التي تعمل في تل العمارنة تحت رئاسة العالم الإنجليزي باري كمب، أن المواطنين في تل العمارنة في زمن الفرعون أخناتون؛ كانوا يعيشون أياماً صعبة؛ وذلك للأمراض والإصابات التي كانوا يعانون منها... فقد وجدوا أن الغالبية تعاني من الأنيميا وسوء التغذية، وكان لديهم كثير من الإصابات نتيجة تكليفهم بالأعمال الشاقة في بناء المقابر والمعابد حتى أننا وجدنا 40 في المائة منهم مصابين بكسور في العظم، وكانوا صغار الحجم وأطوالهم كانت قصيرة..

وقد قام بعض علماء الإنثروبيولوچي العاملين في البعثة بعمل دراسات على العظام التي تم الكشف عنها في جبانة تل العمارنة، وهي المدينة التي أقامها «أخناتون» وعاش فيها مع زوجته «نفرتيتي» وبناتهما الست و«توت عنخ آمون»، وقد عاشوا في هذه المدينة نحو 15 عاماً، وقد تم تجميع هذه المعلومات وعُرضت في برنامج تسجيلي تلفزيوني على قناة الـBBC وشاهده ما يقرب من اثنين ونصف المليون مشاهد. بدأ الفيلم التسجيلي بالحديث عن المدينة التي أقامها «أخناتون» وما بها من معابد بناها لعبادة الإله الواحد «آتون» الذي تكمن قوته خلف قرص الشمس، وإضافة إلى المعابد عثر كذلك على منطقة المخابز، ومنطقة رعي الأغنام، وقد أُعيد حفر المنزل الذي كان يقيم فيه «بانحسي» وعثر على عظام الأغنام به... ومن خلال دراسة معبد «آتون» والمناظر الممثلة على المعابد التي عثر عليها في تل العمارنة اتضح أن المعابد لم تكن فقط دور عبادة وإنما كانت مكاناً لإعانة عامة الشعب من الفقراء والمحتاجين، وذلك من خلال العثور على موائد للطعام وبقايا الطعام التي تُثبت مدى اهتمام «أخناتون» بالشعب.
أما عن الجبانة التي عثر عليها وتمت دراسة العظام والهياكل فتشير إلى هذه النتائج الغريبة والتي يرفضها كثير من الأثريين؛ ولذلك عندما ألقى باري كمب محاضرة بمركز تسجيل الآثار بالزمالك، فقد تلقى الكثير من الأسئلة ومنها: أن هذه الجبانة لا يمكن أن تكون لمصريين لأننا لم نسمع عن أشخاص في أي منطقة بهذا الحجم الضئيل، مما يشير إلى أنهم قد يكونون أجانب؟
وسؤال آخر.. عن الأنيميا وما تعرض له العمال، ومن المعروف أن الدراسات التي قمنا بها وذلك للمومياوات الملكية اتضح لعلماء الأشعة أن الملك «توت عنخ آمون» كان يعاني من مرض الأنيميا؟ وسؤال آخر.. عن الطريقة التي يمكن من خلالها قياس عدد الناس التي كانت تعيش في العمارنة؟
وأجاب كمب أن الجبانة التي عثر عليها كان يُقيم بها نحو ألفي عامل، ولكن موضوع معرفة تعداد سكان العمارنة يحتاج إلى دراسات لعدد المنازل والأكواخ التي كان يعيش فيه العمال... ولكن الأهم: هو ضرورة عمل دراسات جديدة وجادة عن هؤلاء الناس الذين يبدون غرباء بالنسبة لأطوالهم وأجسامهم لأن ذلك يمكن دراسته بسهولة حيث رجح أغلب الحاضرين أنها جبانة خاصة لدفن الأجانب وليس المصريين، وقد تساءل البعض: هل هذه النتائج الطبية تشير إلى أن هؤلاء العمال قد تمت معاملتهم معاملة سيئة؟ وهل كانوا يجبرون بالقوة على العمل في نقل الأحجار وبناء المعابد؟... أشار كمب إلى أن جبانة العمال عثر عليها بجوار جبانة النبلاء، وأن عدد المصريين في ذلك الوقت أي منذ نحو ثلاثة آلاف عام قد وصل إلى نحو ثلاثة ملايين ونصف (تعداد مصر كلها).
ما من شك أن «تل العمارنة» منطقة أثرية مهمة جداً، ويجب أن يستمر باري كمب في الحفائر لكي تتضح لنا معالم هذه المدينة المهمة، ويمكن أن نعرف معلومات أكثر عن تخطيط المدن في مصر الفرعونية.