أحمد الرضيمان 

ياأيها الكتَّاب وفقكم الله إن هذا القرآن الذي هو دستور بلادنا، ونعتز به، إنه يهدي للتي هي أقوم في العبادات والمعاملات والسياسة والأحكام، والتعاملات مع الموافقين والمخالفين

قرأت مقالات لا خطام لها ولا زمام، تُبشِّر بالعلمانية وتدعو إليها، وكأننا لسنا على شيء، والواقع أن أصحاب تلك الدعوات - هداهم الله - يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهل يصح أن تكون الآراء المتهافتة، والخيالات المتناقضة، بديلا عن حكم الله ورسوله؟ 

هذا لا يصح، بل إن مجرد تصور تلك الدعوات والمقالات كاف في إبطالها، لأنها لم تُبْنَ على أساس، وإنما هي زبدٌ وفشارٌ على شفا جرف هار، ولذلك فمآلها إلى زوال، حتى وإن نُشرت في الصحف، قال تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، فالعلمنة سراب خادع، يظنه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وقد قال الله تعالى: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، وكنتُ سألت أحد المنبهرين بالعلمنة، وقلتُ له: هل الشريعة الإسلامية نهت عن شيء فيه نفع وتقدم؟

 ففكر مليا وقال: لا، قلت: هل هناك شيء حسن في اللبرلة والعلمنة ولا يوجد في الكتاب والسنة؟ فقال: لا، فقلت: إذاً لا حاجة لهما، فديننا كافٍ شاف، قال تعالى: (أولم يكفهِم أنا أنزلنا عليك الكتاب)، فهو يدعو إلى العلم والتقدم في جميع المجالات، وهو تبيان لكل شيء كما قال تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، وكنت قديما سمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يقول إن رجلا نصرانيا أتى عالما مسلما في مطعم، فقال له: تزعمون أن القرآن «تبيان لكل شيء»، فقال العالم المسلم: نعم، فقال أخبرني كيف صُنِعَت هذه الطبخة من اللحم وغيرها، فقال العالم: يا صاحب المطعم! تعال، كيف صنعت هذا؟ قال: فعلت كذا وكذا وذكر الوصفة تماماً، قال: هكذا جاءت في القرآن! فتعجب النصراني كيف جاءت في القرآن، وقال هات المصحف من أول الفاتحة إلى آخر الناس ما نجد هذا، فقال: بل موجودة في القرآن، إن الله قال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، هذه الآية وإن لم تكن في هذه المسألة في خصوصها لكن فيها إشارة إلى أن كل شيء لا تعلمه اسأل عنه أهل العلم فيه.

أقول: كنت قرأت تلك المقالات الداعية للعلمانية، وهي متهافتة، ومن قرأها ازداد يقينا أن الله أغنانا بخيرٍ منها، لكني ما كنت أظن أن تصل الجرأة ببعض الكتَّاب أن يتجنوا في بعض مقالاتهم (التي أحتفظ بها) على دستور المملكة العربية السعودية، زاعمين أن الدستور ليس هو القرآن الكريم، متجاهلين ما نص عليه النظام الأساسي للحكم في مادته الأولى، والمتضمن ما يلي: (المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم...)، 
ومتجاهلين ما يقوله جميع ملوك المملكة العربية السعودية بدءا من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى الملك سلمان حفظه الله، في كل مناسبة يقولون: (دستورنا الكتاب والسنة)، بل وزعم أولئك الكتَّاب - هداهم الله - في بعض مقالاتهم زعموا وبئس مازعموا غَلَطَ من قال: إن القرآن الكريم هو دستور الدولة، هكذا يقعون في الغلط بل ويتعدون الخطوط الحمراء، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، ومعلوم أن الذي قال إن دستور الدولة هو القرآن الكريم، هم ولاة الأمر، فهذا موثق عنهم، يقولونه بكل عزة وفخر وشرف، 
ولم يغلطوا في ذلك، بل هذا هو الصواب والعزة وعظيم الأجر، وهذا كما تقدم موثق في النظام الأساسي للحكم، وهو ما قامت عليه الدولة منذ عهد الإمام محمد بن سعود عام 1157 للهجرة إلى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، وسيستمر ذلك إن شاء الله في هذه الأسرة الكريمة (آل سعود)، وإذا كان كل شعب يحترم دستور بلده وإن كان فيه ما فيه، فكيف لا يحترم بعض الكتَّاب في صحفنا دستور بلادنا الذي يرفع الرأس، وليس فيه نقص أبدا، وهو: (القرآن الكريم)؟ 

ما الهدف من هذه الجرأة؟ هل هي زلة يمكن الاعتذار منها؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ فيا أيها الكتَّاب وفقكم الله إن هذا القرآن الذي هو دستور بلادنا، ونعتز به، إنه يهدي للتي هي أقوم في العبادات والمعاملات والسياسة والأحكام، والتعاملات مع الموافقين والمخالفين، فهو تبيان لكل شيء، ويدعو للعلم والتقدم والتنمية الشاملة في جميع المجالات، من تمسك به وحكم به، واتبع هداه، فقد سعد في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه فإنه له معيشة ضنكا، ويحشره الله يوم القيامة أعمى، قال الله تعالى (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)، وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، وهذا الشرف وهو تحكيم الشريعة، واتخاذها دستورا ومرجعا، هو ما يميز بلادنا المباركة، ويميز قادتنا حفظهم الله منذ ثلاثمائة سنة، ولن يخزي الله بلادنا وقادتنا أبداً ما دام أنهم بحمد الله جعلوا القرآن الكريم دستورهم ودليلهم وقائدهم ومرجعهم في الأمور كلها، لقد أغنانا الله بالإسلام دستورا ومنهجا، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فاللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير، وأصلح لهم البطانة، وأبعِد عنهم بطانة السوء، إنك على كل شيء قدير.