أسامة سرايا

لا ينكر أى متابع للعلاقات المصرية الأمريكية أن المساعدات بشقيها الاقتصادى والعسكرى لمصر شكلت مكونا مهما لهذه العلاقات على مدى السنوات الأربعين الماضية ومنذ إقرارها، عقب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، ظهرت أمام المراقبين كأنها حافز لمصر لتمضى فى هذا المسار. 

ولكل شخص رأى يقتنع فيه بوجهة نظره! ووجهة نظرى تتلخص فى أن مسار السلام المصرى كان جوهريا واستراتيجيا ونابعا من السياسة المصرية والعسكرية، لذا صمد مع الزمن، رغم الظروف الصعبة التى مرت بالمنطقة العربية، ومرت بالعلاقات بين البلدين. 

إن مصر لم تكن بحاجة إلى حافز للسلام لاسترداد أراضيها، وإنهاء صراع طال أكثر مما ينبغي، وهدد استمرار واستقرار البلاد والمنطقة بالكامل. 

وكانت مصر فى عبورها الأسطورى فى عام 1973 وسقوط حائط بارليف قد أرسلت رسالة إلى الإسرائيليين محورها أن المصريين ليسوا من الشعوب التى تهدأ وأراضيها تحت الاحتلال، ولذلك اشتعلت الحدود بيننا وبينهم، عقب هزيمة 1967 مباشرة، وشكلت حرب الاستنزاف مع عام العبور محور هذه الرسالة القوية للعلاقات بين الدول ومستقبل الإقليم، بأنه من الممكن، فى حالة وجود تفاهمات أومفاوضات سلام عادلة، أن يتم وضع حد لهذا الصراع العسكري، مع التزام مصر السياسى غير المشروط بدعم كفاح الشعب الفلسطينى حتى قيام دولته وعاصمتها القدس الشرقية. وكان هذا محور مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية بالرعاية الأمريكية، وأنا هنا أشيد بهذا النجاح الصلب للسياسة الأمريكية فى إنجاز قضايا جوهرية تهم شعوبنا ومنطقتنا، وبالنسبة للمصريين فقد أنهى أزمة كبرى هى احتلال أراضيهم، ويحسب هذا لإدارة الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر ولحزبه الديمقراطي، فقد كانت إدارة مستقيمة، ولها رؤية إستراتيجية واضحة مارستها على مصر، وإسرائيل وكانت الأخيرة تحت حكم يمينى فاشى ومتشدد بزعامة «بيجين»، ولكن الجرأة والكفاءة السياسية تسبق أصحابها لتحقيق النتيحة والفوز الذى يحقق مصالح الجميع ويحفظ سلام الإقليم، وأنا هنا أقارن بين الكفاءة المصرية وبين تلك الإسرائيلية فى إدارة هذه المفاوضات المضنية والمراهقة السياسية على الجانب العربى والفلسطيني، والتى استمرت حتى هذه السنوات، فلم تأخذ إسرائيل المفاوضات بالجدية اللازمة لتحقيق النتيجة العادلة، رغم أن الكل أخذ نفس الفرص من الإدارات الأمريكية المختلفة، إن لم تزد، فقد أخذها السوريون إبان حكم الأسد الأب، وتحت سيطرة حزب البعث، وكانت تلوح فى الأفق إمكانات الانسحاب من الجولان، وحفظ حق الشعب السورى فى هضبته. 

لكن لظروف عديدة كانت تفشل المفاوضات، وهكذا مع الجانب الفلسطيني، وإن كانت مفاوضات اوسلو، قد حققت نجاحا جزئيا أعاد عرفات إلى فلسطين وأنشأ عاصمة للدولة فى رام الله، ولكن الاستقلال الفلسطينى مازال يراوح مكانه بحثا عن حل عادل لأعدل قضية فى الوجود، فهناك شعب نازح، احتلت أراضيه برعاية اجتمع فيها العالم كله، أمريكا وروسيا وأوروبا والصين والأمم المتحدة على حماية الإسرائيليين، وتكريس وجودهم وفرض الاحتلال والنزوح على الفلسطينيين لأكثر من مائة عام، وأمام هذه الظروف القاسية انقسم الفلسطينيون إلى دولتين فى الضفة وغزة، وحكومتين، ويتلاعب بهذه القضية من هم ليس أهلا لتحقيق الهدف، والوصول إلى الدولة العتيدة، واستغلت إسرائيل هذه الظروف وتلك القسوة والتفكك التى يعيشها الشعب، لكى تثبت للمجتمع الدولى أن الفلسطينيين ليسوا أهلا لدولة مستقلة. 

ولعل الأوضاع العربية لم تكن هى الأخرى فى أحسن أحوالها، فقد كان هناك حزب البعث فى العراق، شكل صمودا وتصديا مع سوريا لمجابهة مصر. وعمل هذا على تجميد أى تحرك سياسى إلى أن جاءت المبادرة العربية للسلام، والتى استوصت الحل المصري، ولكن فى ظرف مختلف، كانت ومازالت فيه إسرائيل تستقوى على الشعب الفلسطينى المضطهد والمظلوم من كل المجتمع الدولي. 

أما بالنسبة للمساعدات الأمريكية لمصر فقد حاولت أمريكا دائما ربطها بعلاقاتنا مع إسرائيل، ولكنها فشلت فى هذا المسار، لأن المصريين لهم خطوط واضحة فى هذه الاتجاه، وهى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية لا مسار فيها، يمر بالقدس، وبقضية فلسطين، شرطا لا تتبدل ولا تتغير .. فقضية فلسطين قضية مصرية كما هى قضية عربية بالإضافة إلى أنها قضية عالمية وعادلة.. العالم كله يشعر بالحيرة الآن أمام الفوضى الضاربة فى إقليم الشرق الأوسط والإرهاب المستشرى فى المنطقة والعالم ليس بعيدا عن هذه القضية ومجابهته تحتاج فى الأساس للاهتمام بها ووضع حد للعربدة الإسرائيلية حتى تسقط الى الأبد دعاوى الإرهاب وأصحابه وقد تكون أمريكا قد نجحت مع مصر فى حالة واحدة بالنسبة للعلاقات التجارية عندما ربطت ما سمى «الكويز» وهى حافز تجارى للتصنيع المشترك لمصر وإسرائيل يحصل بمقتضاه المنتج على حق التصدير للأسواق الأمريكية بلا جمارك والاستفادة منه للاقتصاد المصرى لم تكن مجدية الا لعدد محدود من شركات الملابس الجاهزة ولم يصل إلى حد التصنيع المشترك بقدر ما كان استيراد أحد مكونات تلك الصناعة من إسرائيل ونسب لم تتعد 10بالمئة من قيمة المنتج وهذا لا يدخل فى قيمة المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر . 

أما بالنسبة للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر فقد استفادت الدولتان «أمريكا ومصر» بنسب متساوية فقد شكلت تلك المساعدات والمنتجات والخدمات الأمريكية على نطاق واسع رغم بعد المسافة والنقل وتكلفة الشحن والبديل الأنسب من الأسواق القريبة خاصة الأوروبية التى لنا معها تاريخ طويل إبان الحقبة الاستعمارية. 

وبالعودة للمساعدات الاقتصادية فقد ساعدنا الأمريكيون فى السنوات الأولى لها فى بناء بنية أساسية خاصة مشكلة الصرف الصحى للقاهرة الكبري، وكانت من المشكلات المستعصية على الحل قبل أن تقرر مصر الدخول فى معترك مترو الأنفاق، كما لعبت دورا فى بناء شبكات الكهرباء التى حافظت على قدرة مصر على توليد الطاقة إلى حد كبير، وقد وصلت هذه المساعدات إلى ما يقرب من 70 مليار دولار ،وفى مجال التسليح فقد كانت نسبة التسليح العسكرى المصرى من الأسلحة الأمريكية هى الأكبر فى السنوات الماضية.